مرَّر وزير التربية الوطنية اليوم باجتماعه في لجنة التعليم والثقافة والاتصال وحتى عبر المنابر الإعلامية مجموعة من المغالطات التي اعتاد عليها، وذلك بخصوص ملف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد؛ حيث تحدث مرة أخرى عن وهم المماثلة والمطابقة بيننا وبين الأساتذة الموظفين ما قبل 2016، مردفا في قوله أن تنزيل هذه المماثلة تم بإزالة ورقة لا غير يقصد بها العقد، وأن ما تبقى هو إدماج صناديق المعاش وتمكين الأساتذة من الاستفادة من الحركة الوطنية في إطار تبادلات استثنائية.
بداية فمن بين الأكاذيب التي قام بتمريرها ولعل لغة الجسد فضحته حينها، هو القول إن الدولة لم تكن تعيِّن الأساتذة بالقرى النائية، وأنها منذ 2013 حتى 2016 كانت توظف فقط 3000 خلال السنة؛ لكن بالعودة لقوانين المالية للسنوات المقصودة وجدنا أن الدولة خصصت أزيد من 7000 منصب لقطاع التعليم. لقد قال كل ذلك قصد التأكيد أن التوظيف بالتعاقد جاء لتمكين أبناء القرى من فرصة التعلُّم، في حين أن الواقع يقول عكس ذلك، فلو كان حقا رجال ونساء التعليم غائبين عن المناطق القروية والنائية لما فُتِح في السابق النقاش حول تعويض الموظفين عن المناطق النائية وذلك بقيمة 700 درهم.
إن ما يقوله وزير التربية الوطنية عن بقاء نقطتين وهما صندوق التقاعد والحركة الوطنية، ما هو إلا ضرب من الخيال حتى يطيل أمد الملف ويقبره في نفس الحين بغية الدفع بالأساتذة للقبول بهاته الوضعية المذلة. هذا وحتى تعطي الحكومة الصبغة القانونية للتوظيف بالتعاقد بعد أن تم تنزيله وفق المقرر المشترك 7259، تسعى وبكل ما أوتيت من ترسانتها القانونية لتعديل القانون 07.00 المنظم للأكاديميات وذلك من خلال إصدار مرسوم يقنِّن التعاقد فتروج حينها مرة أخرى لنكتة المماثلة.
إن حديث المسؤول الوزاري المتكرر عن الصندوق المغربي للتقاعد وكأنه كان مطلبا رئيسا تصدح به أصوات الأساتذة بالشوارع، وبيانه عزم الحكومة على تمكين المفروض عليهم التعاقد منه بمعنى أنها حققت لهم ما طالبوا به ليس إلا ترويجا لأكذوبة لا غير، فبعدما أوقفت الدولة التوظيف بسلك الوظيفة العمومية في مجموعة من القطاعات أهمها قطاع التربية الوطنية، عرف الصندوق المغربي للتقاعد إفلاسا هاما وهو ما دفع بالجهات المسؤولة لدمج الصناديق لإنعاش صندوق المعاش لا غير.
أما موضوع الحركة الوطنية الذي يعتبر تمكين الأساتذة منها خرقا لما يسميه بالتوظيف الجهوي لهو أمر خاطئ، ذلك أن الفصل 24 من دستور المملكة يضمن حرية التنقل عبر التراب الوطني. ومن هنا نتساءل، هل وزير التربية الوطنية على اطلاع تام بمضامين الدستور؟ إن كان كذلك، ألا يمكن اعتباره رافضا للدستور المغربي جملة وتفصيلا من خلال عدم تمكينه للشغيلة التعليمية من ذلك؟ وإن لم يكن على اطلاع بما فيه ألا يعتبر وجوده خطرا على الحكومة والمغاربة ككل؟
وعلاقة بالموضوع المشكل، فإن المطلب الذي رفعته التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد كان ولا زال هو إسقاط مخطط التعاقد وإدماج كافة الأساتذة في أسلاك الوظيفة العمومية، وهو يُعَد مطلبا دستوريا يكفله الدستور المغربي في فصله 19، والذي أقر بالمساواة بين المغاربة أجمعين في الحقوق والحريات المدنية، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية… ولم تتحدث يوما عما يُرَوَّج له من مماثلة ومطابقة بين الأساتذة المفروض عليهم التعاقد والأساتذة النظاميين، ذلك أن الاستفاضة في هذا الموضوع ما هو إلا تكريس للهشاشة والتمييز بين أطر هيئة التدريس.
أخيرا، تُعَدُّ المرحلة التي دبَّر فيها وزير التعليم الحالي قطاع التربية والتكوين، فاشلة بامتياز، وهو يعيش الآن أزمة حقيقية في ظل توسع دائرة الاحتجاج بين مختلف الفئات التعليمية. وهاته الخرجات الإعلامية التي يقوم بها أكدت ذلك بعد استعماله عبارات سوقية في التواصل، فضلا عن غلقه لباب الحوار مع مختلف الإطارات النقابية ومع ممثلي الشغيلة التعليمية بمختلف الفئات. كل هذا سيؤدي لا محالة لاندلاع معارك نضالية ذات طابع تصعيدي لتحقيق المطالب العادلة والمشروعة ووقف الزحف الحكومي على المكتسبات التي ناضل عليها عموم الشعب المغربي منذ القدم.
تجدون المناصب المخصصة لقطاع التربية الوطنية منذ 2013 حتى 2016 في :
مشروع قانون المالية رقم 115 .12 للسنة المالية 2013، الصفحة 81 ؛
الجريدة الرسمية الصادرة في 31 ديسمبر 2013، الصفحة 8088 ؛
الجريدة الرسمية الصادرة في 25 ديسمبر 2014، الصفحة 8662 ؛
الجريدة الرسمية الصادرة في 21 ديسمبر 2015، الصفحة 10120.
تعليقات الزوار ( 0 )