شارك المقال
  • تم النسخ

الرداءة السياسية في زمن كورونا

“  لا تولد الكراهية غير الكراهية ، ولا يستطيع إنسان أن يبني فوق الحقد ، إنه كمن يبني فوق المستنقع” يعكس هذا المقطع للروائي و الصحفي المجري ” ليفيو ربرينو “، بشكل واضح حقيقة  ما يجري في المشهد الحزبي المغربي اليوم،  من ممارسات بئيسة يدفعك إلى أن تقف مشدوهاً، إذ يشهد درجات مرتفعة من الحقد و الكره، وتجرد الفاعل السياسي من مبادئه وقيمه وأخلاقه ليتحول إلى وحش حاقد، وجاعلاً من هذا الحقد المؤطر الرئيسي للعملية السياسية، وهو الدافع المحفز لكل الافعال؛ مستعملاً كل الحسابات التكتيكية والمناورات من أجل الوصول إلى هدفه الرئيسي المتمثل في “تدمير وجود خصمه السياسي” ، وذلك باعتماد كافة الوسائل، من أجل حسابات سياسية ضيقة مرتبطة بتسخينات الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في 2021.

  • لماذا أصبحنا نُصِّر على الرداءة؟!

إننا حيال حالة من الضروري وصفها بالعبثية، مع انتشار الرداءة في كل شيء، إذ لم تعد القوى السياسية تُنتج إلا التفاهة والمناورة، وانتشار النزعة الاتهامية، واللجوء إلى الأساليب القذرة، والضرب تحت الحزام؛وتعبير الضرب تحت الحزام، مأخوذ من رياضة الملاكمة،وهي كناية عن الملاكم الذي يشعر أنه مهدد بالهزيمة، فيلجأ إلى غش الحَكَم وخداعه وضرب غريمه في أماكن غير مسموح أن يضرب فيها. 

إن كانت هذه الرداءة تكشف عن شيء، فهي تجسد بكل وضوح عبثية وأزمة المشهد الحزبي المغربي، الذي أصيب بالعجز والعقم السياسي، وعدم القدرة على إنتاج الأفكار، مما حول الصراع إلى صراع أشخاص، عوض صراع أفكار، وتم تغييب بشكل شبه نهائي النقاشات حول البرامج الاقتصادية والاجتماعية.

كيف يجرؤ لوزير في هذا الظرف الذي تمر منه بلادنا على التفكير في تقديم مشروع قانون يتعلق بتقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح؟ وكيف يحق لوزير من نفس الحكومة أن يُسرب جزء معين من مشروع القانون بشكل ممنهج؟ أي عبث هذا؟

لم يكن الواحد منا ينتظر أن يصل الغباء السياسي بالوزراء هذا الحد، بل لم يكن يعتقد أي أحد أن هناك وزير يسيء للحكومة التي ينتمي إليها، إنها الحماقة السياسية في سلوك الوزير الذي سرب مشروع القانون 20/22.

إنها بمثابة “مسرحية مبتذلة” مهلهلة الحبكة، وبسيناريو رديء، وإخراج بليد، لكن خيبة الأمل كانت كبيرة خصوصاً وأن كاتب السيناريو أضاع خيوط الحبكة، إذ أصبح ملزماً عليه أن يقتسم دور البطولة في المسرحية، بالرغم من أنّه كان عازما على أن يتقمص دور الواعظ الناصح الحكيم، الحريص على مصلحة الوطن، الذي يُحرك خيوط اللعبة من وراء الستار، مختبئا خلف رداء الأتقياء؛ فيوفّق في استراتيجيته مثلما وفّق في السابق.

بصراحة، لم يعد من حرج في القول، أننا لم نبلغ قاعاً من الغباء السياسي، مثل الذي وصلنا إليه اليوم، نظراً لما عرفه تدبير الشأن العام من عبث وانحطاط دراماتيكي وسريالية غير مألوفة؛ إننا اليوم بصدد الحديث عن الميوعة السياسية التي ألحقت ضرراً فادحاً بكل القيم السياسية وبكل المكتسبات، وغدتها حالة من عدم الثقة في الطبقة السياسية. 

نعيش اليوم أكبر تجلي للرداءة وإنتاج التفاهة السياسية، حيث تتداخل وتتشابك يومياً مجموعة من المعطيات وترتبط فيما بينها ارتباطاً وثيقاً بالوضع، وهو ما يؤشر الى تداعياتها الخطيرة، نظراً لتأثيراتها الهدامة على كل مناحي الحياة السياسية، ولانعكاساتها السلبية على الظاهرة الحزبية في البلاد بشكل عام، ونظرا كذلك لما تلحقه هذه الممارسات من أضرار على الحياة السياسية، يؤدي الى تبخيس الفعل السياسي، ويُنفر الشباب من العمل السياسي المؤسّسي.

  • خطورة تبخيس العمل السياسي والحزبي

يظل السؤال الذي يعيد طرح نفسه بإلحاح هو: من له المصلحة في تبخيس العمل السياسي؟

لا يختلف اثنان بأن تبخيس العمل السياسي لكي يظهر بلا معنى، ليس في مصلحة العملية الديمقراطية، وأي محاولة من هذا القبيل ليست في مصلحة أحد، لأن تفريغ المجتمع من الفعل السياسي الحقيقي، يُؤدّي إلى النفور من السياسية، ويضعف العملية الديمقراطية؛ وهذا خطير، لأنه لا يمكن تصور الديمقراطيات الحديثة من دون وجود الأحزاب السياسية؛على أساس أن الأحزاب السياسية تشكل الركيزة الأهم في بناء المجتمع والدولة الديمقراطية، وأن إضعاف الأحزاب السياسية سيضعف الديمقراطية، وهو ما يعني إضعاف المناعة أمام مجابهة التحديات والمخاطر المحدقة بها.

من الأسباب الأساسية وراء كل حملات التبخيس هو إبعاد المواطنين والمواطنات من الانخراط الفعلي في الحياة السياسية، فواقعنا السياسي في الوقت الراهن، يدفع وبشكل جلي إلى استمرار عزوف الشباب من الخوض في الشأن السياسي والانخراط في الشأن الحزبي، وفقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة وفي السياسة.

فبعد كل ما وقع، بات بوسعنا اليوم إثبات أن هناك صعوبة في استقطاب القيادات الشبابية للعمل السياسي، وإقناع الناخبين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع وهم يتتبعون يومياً فصول هذه المسرحية المبتذلة. فنسبة المشاركة في الانتخابات تتضاءل فترة بعد الأخرى، ونسبة المقاطعين للانتخابات في تزايد مستمر وبشكل ملفت، فقد كشفت الإحصائيات أن نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات التشريعية لسنة 2016 في المدن الكبرى، أنها لم تتعد 20 في المئة، وأن حوالي 70 في المئة من الشباب لا يثقون في الأحزاب السياسية. وسجلت نفس الانتخابات مشاركة سياسية ضعيفة بلغت 43 في المئة؛ إذ صوت ستة ملايين و750 ألفا من أصل قرابة 16 مليون مغربي مسجل في اللوائح، وفق الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية. فامتناع أكثر من 57% من الناخبين عن التصويت أمر غير هين، خاصة وأن المقاطعون يعتبرون قرارهم بأنه عقاب جماعي للطبقة السياسية، وفي نفس الوقت تعِـبير عن فُـقدان الأمل واليأس من التغيير.  ويمكن القول إن انتشار ظاهرة المقاطعة للانتخابات يعكِـس عُـمق الفَـجوة بين الطبقة السياسية والمجتمع؛ فخروج المواطنين للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع لن يتم إلا إذا اقتنعوا أنهم يختارون البرنامج السياسي والحزب الذي سيتولى تدبير الشأن العام.

  • على سبيل الختم

التاريخ لا يسير في خط مستقيم، بل يتعرض لمسارات متعرجة ومنعطفات واحتمالات ومفاجآت عصية على التخمين، إنه في حركة تحوِّل دائم، علينا أن نعي اليوم أن بناء حياة سياسية صحيحة وسليمة هو مدخل أساسيلإنتاج قوى سياسية منظمة وقوية وفاعلة؛ ولابد من وجود تفاعل للأحزاب في الحياة السياسية.

الحياة السياسية ببلادنا تحتاج لنقلة نوعية، ونحن في حالتنا هذه يجب ان نوفر الشروط اللازمة لتنمية الحياة السياسية. وقد أصبح لزاماً علينا أن ننصت لنبض الشارع، وخير طريقة للإنصات هي إصلاح العقليات وتنظيف السياسة وإعادة الثقة للعمل السياسي النبيل، وبناء أرضية صلبة للعمل السياسي وبنية الاحزاب السياسية، واحترام المؤسسات.

هناك حيرة تخترق الحقل السياسي المغربي، حيث الشعور الحاد بالغربة وإنتاج اللامعنى، الأمر الذي يعمق بداخلنا الاحساس باللاجدوى من ممارسة العمل السياسي، ما زاد في حالة اليأس والشعور بالإحباط وفقدان الأمل بالمستقبل. لكن وعلى الرغم من قتامة المشهد، سنظل نحتفظ على جذوة الأمل داخل نفوسنا، وعلى حد قول الكاتب السوري الراحل سعد الله ونوس، “إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”، وفي هذا القول نردد قولة غرامشي” تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”.

باحث في العلوم السياسية *.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي