شارك المقال
  • تم النسخ

الدكتوراه لغير الموظفين شهادة غير نفعية

ما معنى إطلاق حملة توظيف مباريات التعليم العالي في وجه الدكاترة الموظفين دون سواهم، والتي ليست وليدة التقشف الذي تنهجه الحكومة خلال الفترة الحالية وما بعدها، بل هو مخطط، تم العمل به طوال الثلاث سنوات الأخيرة !!!؟ 

إن العمل بهذا التوجه، يتنافى تنافيا مطلقا مع المنطق، وأكاد أجزم، أنه لا يوجد أي دولة بالعالم بما فيها تلك المصنفة في حضيض الدول المتخلفة تعمل بمثل هذا التوجه. لأنه لا يمكن لأي إنسان يسمح لعقله بالاشتغال السليم لمدة نصف دقيقة من الزمن، أن يتقبل، أن الحاصل على الدكتوراه غير الموظف، لا يمكن له أن يشارك في التباري -أو مشاركته محدودة- من أجل منصب التعليم العالي. والذي يجعل هذا غير مقبول، هو الحكم على شهادة الدكتوراه، أنّها شهادة غير نفعية بالنسبة لغير الموظفين.

وهذا أمر له تبعات سلبية جمة، ليس فقط على الدكتور غير الموظف، بل على الدولة بالدرجة الأولى، وعلى تقدم البلد بصفة عامة. فمن ناحية، تبني هذا التوجه يعني وجود خلل في ترشيد النفقات، ومن ثم تبذير للمال العام؛ إذ كيف يمكن الإنفاق على تكوين الدكاترة، وفي نفس الوقت التفريط فيهم، بل والسماح لهم مثلا ببيع “القسبور والبيض”، وتمجديهم لأنهم استطاعوا أن يخلقوا تشغيلا ذاتيا. في الحقيقة، لو كان الساهرين على تدبير الشأن العام، لهم غيرة على البلد، لكانوا، هم، من يتصدوا لكل من يسعى ألا يستثمر تكوينه الجامعي في تحقيق مردودية غير متصلة بهذا التكوين. وهذا بالذات ما يبتر العلاقة بين الجامعة ومحيطها، التي هي عمود لا مفر منه للنهوض التنموي لأي بلد بالعالم.

ومن ناحية ثانية، فهذا التوجه، له، كذلك، آثارا سلبية على الارتقاء بالبحث العلمي وعلى تدني جودته، فمن خلال التضييق على فئة (غير موظفين) وفتح كل الأبواب أمام فئة أخرى (موظفون) تكون الطريق قد عُبدت لقتل المنافسة بين المتبارين، مما قد يجعل الفئة الثانية متهاونة (لا أعمم)، سواء على مستوى إنجاز بحوثهم (الأطاريح)، أو على مستوى الاجتهاد في إنتاجتهم العلمية الرصينة (المقالات)، والمرفقات الأخرى التي تعزز الملفات العلمية (مشاركات في الندوات، تكوينات، الخ)؛ بمعنى تكون الدولة هي السبب الرئيس والمبارك لانهيار البحث العلمي لأنها تكون بذلك قد قتلت روح المنافسة الضامنة للجودة.

قد يتقبل المرء، عدم قدرة الدولة على تشغيل جميع الخريجين (الدكاترة) بالجامعات، لدواعي قد تكون مقبولة أو غير مقبولة، ولكن في المقابل ينبغي على الدولة أن تنجح في تدبير قطاع التعليم بصفة عامة، وجعله يتماشى مع الخطابات الرنانة، التي تدعو الخريجين إلى البحث عن قنوات مختلفة (القطاع الخاص والتشغيل الذاتي) لإيجاد الشغل بدل التركيز على الوظيفة العمومية. أما تلك الخطابات الواهمة التي كانت تبرر أن ولوج التدريس بالجامعة، يتطلب كسب خبرة مسبقة في التدريس في المستويات الدنيا؛ فقد أبطلتها، من جهة، استقطاب أطر إدارية (الإداريون الدكاترة) راكموا تجربة كبيرة في الإدارة دون أدنى تجربة في التدريس، ومن جهة ثانية إقصاء أطر الأكاديميات (الأساتذة المتعاقدون) في المشاركة في هذه المباريات على الرغم من توفرهم على الخبرة في الميدان. وبالمناسبة، فمسألة الخبرة، كانت مجرد وسيلة لتغطية الشمس بالغربال، أما الواقع فشيء آخر، فكم من أستاذ قضى نحبه في التدريس لكنه فاشل في ايصال الرسالة، وكم من مبتدئ، نجح في ايصال هذه الرسالة منذ اليوم الأول، وتطور أداؤه مع مرور الوقت، المسألة تعود فقط، لدرجة التكوين وأداء المهمة بكل انضباط ومسؤولية.

بالله عليكم، ارحموا من سهر الليالي، وتحمل الشروط المادية الصعبة، وضحى بالكثير، وأفنى عمره كي يبلغ أواخر عقده الثاني أو بداية عقده الثالث من أجل تحقيق حلمه الذي رسمه لنفسه، ولا تقتلوا فيه كل ما هو جميل؛ بل أقول حولوا تفكيركم نحوه واجعله في مقام أولدكم، وأنتم الوحيدون -معشر الساسة- القادرون على الجواب عن السؤال المطروح: هل هذا توجه منطقي؟ أم أنه ظلم لم يجد من يتصدى له بالبلد؟    

*دكتور، وإطار عالي بوزارة إعداد التراب والتعمير والإسكان وسياسة المدينة

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي