Share
  • Link copied

الدار البيضاء المالية بين طموح تحويل المغرب إلى بوابة استثمارية لإفريقيا وانتقادات بتكريس التفاوتات الاجتماعية: نموذج اقتصادي مبهر أم واجهة براقة فقط؟

منذ أكثر من عقد، راهن المغرب على تحويل مدينة الدار البيضاء إلى منصة مالية إقليمية، قادرة على جذب الاستثمارات العالمية وتوجيهها نحو القارة الإفريقية.

واليوم، تبدو ناطحات السحاب في منطقة “الدار البيضاء المالية” (Casablanca Finance City – CFC) شاهدة على هذا الطموح، لكن التساؤلات تتزايد حول من يستفيد فعلاً من هذا النموذج التنموي.

وفي تقرير حديث نشرته صحيفة “ذا غارديان” البريطانية بتاريخ 3 يونيو 2025، سلّط الضوء على الدور المتنامي لـ CFC في دعم الاستثمارات، وفي الوقت نفسه، أشار إلى استمرار مظاهر التفاوت الاجتماعي داخل المغرب، وتحديدًا في ما يتعلق بغياب تأثير هذه المشاريع على الفئات الهشة.

طموح مالي بأبعاد قارية

ومنذ انطلاقها في ديسمبر 2010، تمكنت CFC من استقطاب 240 شركة دولية، من بينها هواوي وشنايدر إلكتريك، ما ساهم في خلق أكثر من 7000 منصب شغل.

وتؤكد لمياء مرزوقي، المديرة العامة المساعدة للمنطقة المالية، أن CFC لا تكتفي باستقطاب الشركات، بل ترافقها نحو التوسع في الأسواق الإفريقية، معتبرة أن الدار البيضاء تشكل “بوابة عملية إلى القارة”.

وارتفعت الاستثمارات المغربية في إفريقيا من 100 مليون دولار عام 2014 إلى 2.8 مليار دولار في 2024، وهو ما يعزز توجه الرباط لتكريس شراكة جنوب–جنوب حقيقية، ضمن إطار “منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية” (AfCFTA).

التجارة البينية الإفريقية في مواجهة الحروب الجمركية

وأشار التقرير إلى أن تسارع التوترات التجارية العالمية، خصوصاً بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وفرضه تعريفات جمركية على الصادرات الإفريقية، جعل من الاتفاقيات القارية – وعلى رأسها AfCFTA – ضرورة استراتيجية، وليس مجرد خيار سياسي.

ودعت مرزوقي إلى تسريع الاندماج الإقليمي في ظل هذه التحديات، معتبرة أن “المنطقة المالية كانت منذ البداية تدعم هذا التوجه كأحد محاورها المركزية”.

انتقادات: من يستفيد فعلاً؟

ورغم هذه الأرقام الواعدة، انتقد التقرير استمرار هيمنة الاتحاد الأوروبي على صادرات المغرب، حيث تشير الأرقام إلى أن أكثر من ثلثي صادرات البلاد تتجه إلى أوروبا، في وقت كان يُفترض أن تكون إفريقيا الهدف الأول للتوسع التجاري.

كما أشار التقرير إلى غياب أثر ملموس لهذه الاستثمارات على الفئات الهشة، وعلى المناطق الداخلية التي ما تزال تعاني من التهميش التنموي، ما يثير التساؤل حول عدالة توزيع ثمار هذا النمو الاقتصادي.

رهانات جديدة: التكنولوجيا والبيئة

ولم تكتفِ CFC بالاستثمار في المال، بل شرعت في احتضان مشاريع الذكاء الاصطناعي والتمويل الأخضر، عبر “مختبر الابتكار الإفريقي”، كما وقعت شراكات لإطلاق سوق طوعي للكربون، في خطوة تهدف إلى تعزيز جهود المغرب في الانتقال البيئي وتمويل مشاريع التنمية المستدامة.

وتؤمن مرزوقي، وهي أيضًا عضو في شبكة مراكز التمويل المستدام التابعة للأمم المتحدة، بأن القارة الإفريقية تملك فرصة لتصبح “قوة طاقية عالمية”، إذا توفرت شروط التمويل ونقل التكنولوجيا.

نظرة نقدية

لكن بعض الخبراء يرون أن الاعتماد على مناطق مالية كهذه لا يكفي. ويقول الخبير الغاني برايت سيمونز إن هذه المناطق “تحاول تجاوز الإشكالات البنيوية، لكنها ليست بديلاً عن إصلاحات عميقة مطلوبة بشدة في إفريقيا”.

ويضيف: “بدل محاولة إصلاح البنية التحتية والمؤسسات، تلجأ الحكومات إلى الحلول السريعة. والمناطق المالية ربما تكون أذكى هذه الحلول، لكنها تبقى مؤقتة”.

ورغم الانتقادات، يبقى الاستقرار السياسي والاقتصادي في المغرب من أبرز العوامل الجاذبة للاستثمارات، وفق ما يؤكده التقرير البريطاني، خصوصاً في ظل الاضطرابات التي تعيشها بعض الدول الإفريقية المنافسة.

Share
  • Link copied
المقال التالي