شارك المقال
  • تم النسخ

ح3: بوحمارة، مهندس سعى إلى الحكم مستغلا مرض المخزن وتعامل مع الإسبان

خلافا لما يعتقده الكثير ولما روجه المخزن حول هذه الشخصية التاريخية، وما أطلقه عليها من أوصاف قدحية من قبيل “بوحمارة” و”الروكي”، فإن الثائر المغربي الذي احتضنته قبائل “غياثة” بضواحي مدينة تازة، كان متعلما وذكيا.

ويدعى الجيلالي بن ادريس اليوسي الزرهوني، اشتهر بـ”بوحمارة” لتنقله على متن حمارته الرمادية بين مدينتي فاس ووزان، وقرب دار المخزن. يتحسس في ذلك أحوال المخزن، يرصد تسلحه ومدافعه وأفواج جيش السلطان عبد العزيز بن الحسن (1900-1908). يتمتع الجيلالي الزرهوني بذكاء خوله أن يكون من ضمن فوج الطلبة المهندسين في عهد الحسن الأول 1874-1894)، ثم اشتغل كاتبا لمولاي عمر خليفة السلطان على فاس، وتحدثث أخبار أنه يتعاطى بعض أنواع السحر.

واستغل مواهبه العلمية في تسجيل ملاحظاته على المخزن المغربي ورصد أمراضه، لينقلها إلى القبائل لتحريضها ضده. فآخد على القواد والرؤساء في المخزن تفضيلهم للأوربيين، وعن السلطان عبد العزيز كثرة ملاهيه وألعابه التي كلفت خزينة الدولة أموالا طائلة، التي تبدد في التفاهات. كما أن حاشية السلطان كانت لا تتقن من عملها سوى التحاسد بينها وتدبير المكائد والدسائس بينهم لدى السلطان، الذي كانت يحيط به أوربيين فرنسيين وإنجليز.

لكن الحادث الذي سيستغله “بوحمارة” أكثر في التعبئة لثورته هو إعدام أحد الأشخاص الذي احتمى بضريح مولاي ادريس، بعد قتله لأجنبي أمريكي تجرأ على الدخول إلى الضريح. إذ أشاع الثائر على السلطان والمخزن تفضيله للأجنبي المسيحي على المغربي المسلم. بل إن السلطان، كما أشاع الزرهوني، سمح للأوربيين بالتدخل في شؤون منزله. وليحكم فنون دعايته لنفسه ادعى الشرف وأنه “مولاي امحمد ولد مولاي الحسن أخو السلطان، خاصة عندما يغلق نصف عينه اليمنى”.

وعندما “جمع بوحمارة” ما يكفي من المعلومات انتقل إلى مواطن قبائل الحياينة واتسول وآي تيوسي والبرانس وغياثة، حيت أعلن تمرده عند هذه الأخيرة.

واستشعر المخزن متأخرا قوة ثورة الروكي، الذي أصبح إسمه على كل الألسن، بعد أن حقق عليه انتصارات عديدة، وكلفه مصاريف كثيرة، كانت تأتي من قروض فرنسية وإنجليزية وإسبانية. و”أصبحت كل القبائل الموجودة بين تطوان وملوية وكل الأراضي الموجودة على مشارف وزان وفاس إلى حدود الجبل قد اعترفت بـ”بوحمارة”، الذي اشترى من الإسبان الرصاص والبنادق. وأظهر مهارات حربية متعددة في حبك الخطط وتنظيم أنصاره من جنود القبائل.

وأمام هذا التطور الخطير سير المخزن إلى الثائر محلة كبرى بقيادة وزير حربه (العلاف الأكبر) المهدي المنبهي سنة 1903 وكانت سنة جفاف وبؤس، فزاد نهب الأسواق وتنامى الاضطراب وضعف الأمن. حقق المنبهي انتصارات مهمة على الجيلالي الزرهوني، لكنها غير حاسمة لأنها لم تنه ثورته ولم يقتده إلى السلطان كما طلب منه، فألبت حاشية الأخير السلطان على وزيره.

لم يكن انتصار أحد الطرفين في مواجهاتهما إلا وبالا على مواليي الطرف الأخر من السكان والقبائل، حيت يتعرضون للنهب وسرقة الأموال وإتلاف البضائع والتنكيل بالجثث واقتياد الفتيات لبيعهن في سوق النخاسة.
ورغم أن المخزن العزيزي كان ينفق بسخاء في شراء السلاح وحقق بعض التفوق بفعل المدفع 75 الذي كان يشغله الملازم عبد الرحمان بن سديرة، الذي سيعين فيما بعد مدربا للمدفعية بطنجة، وتمكن من خلاله من حسم عديد من المعارك، فإن مغامرات “بوحمارة” ستتواصل حتى بعد إزاحة السلطان عبد العزيز من طرف أخيه عبد الحفيظ (1908-1912) مدعوما بأعيان الحوز وسوس. فمرض المخزن المغربي استشرى في مفاصل البلاد، بين وزراء وأعيان كانوا في صراع دائم فيما بينهم ويتسابقون لجمع الأموال، واستمرار “بوحمارة” في لعب دور السلطان بالشمال، والإنفاق البادخ للسلطان وإضاعة الأموال على الترفيه وتضخم حجم الاقتراض، وبين أوربي متربص جمع من القوة في شتى المجالات ما لا قبل له عند للمخزن والمغاربة.

المرجع :
لويس أرنو، زمن “لَمْحلات” السلطانية الجيش المغربي وأحداث قبائل المغرب ما بين 1860 و1912، ترجمة محمد ناجي بن عمر، أفريقيا الشرق،2002.

*كاتب صحافي

تحتوي هذه الصورة على سمة alt فارغة; اسم الملف هو abdelmalek_takamul7.jpg
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي