عادت العلاقات بين الجزائر وفرنسا إلى مربع التوتر مجددًا، على خلفية ما بات يُعرف إعلاميًا بـ”ملف التخريبيين”، وهو الملف الذي تسعى السلطات الجزائرية إلى استعادته بأي ثمن، ويضم أسماء معارضين جزائريين مقيمين بالخارج، تصفهم الجزائر بـ”الإرهابيين” وتطالب بتسليمهم.
مجلة “لوبوان” الفرنسية، التي كشفت تفاصيل هذا الملف، تحدثت عن أزمة دبلوماسية متفاقمة، قد تكون الأعقد منذ عقود، لما تحمله من تداخل بين الأمني، والسياسي، والتاريخي، والرمزي، في علاقة تشهد أصلًا حساسية مفرطة ومزمنة.
وتتهم السلطات الجزائرية هؤلاء الأشخاص بالانتماء لتنظيمات مصنفة إرهابية، وتضغط بشدة على باريس من أجل تسليمهم، بينما تتمسّك فرنسا بمبدأ استقلال القضاء وحق اللجوء السياسي.
وتفاقمت الأزمة بعد اعتقال ثلاثة جزائريين في فرنسا، بينهم موظف قنصلي، يشتبه في تورطهم في محاولة اختطاف أمير DZ. وردّت الجزائر سريعًا بطرد 12 موظفًا فرنسيًا يعملون في السفارة الفرنسية بالعاصمة، في خطوة وُصفت بأنها انتقام دبلوماسي ورسالة واضحة مفادها أن “الجزائر لن تسكت بعد الآن”.
وبالنسبة للسلطات الجزائرية، فإن أمير DZ – المُدرج على قائمة الإرهاب منذ 2022 بسبب صلته المفترضة بحركة “رشاد” – لا يمثل مجرد معارض، بل هو رمز لـ”التحريض الإعلامي” الذي ترى الجزائر أنه مدفوع بأجندات خارجية وموجهة لزعزعة الاستقرار الداخلي.
ويُضاف إلى ذلك أن اليوتيوبر الشهير لا يُخفي مواقفه المؤيدة للمغرب في ملف الصحراء، ما يفاقم من حساسيته داخل الجزائر.
وفي المقابل، تتمسك فرنسا بخطابها الرسمي بأن القضاء الفرنسي هو المخوّل الوحيد للبت في قضايا الترحيل أو تسليم اللاجئين السياسيين.
مصادر فرنسية أكدت أن باريس “لن تقوم بعملية بن بركة جديدة”، في إشارة إلى اختطاف المعارض المغربي سنة 1965 في قلب العاصمة الفرنسية، وهي الحادثة التي لا تزال تُحرج باريس حتى اليوم.
ويرى بعض الباحثين أن ظاهرة “اليوتيوبرز المعارضين” مثل أمير DZ، هشام عبود، وعبد السميع بوحطاب تمثل شكلاً جديدًا من الحرب الإعلامية الناعمة، حيث يُشتبه بأن معلوماتهم تأتي من صراعات داخل أجهزة الدولة الجزائرية نفسها، وهو ما يخلق نوعًا من “الانفجار المعلوماتي” الفوضوي، يطمس الرسائل السياسية الحقيقية ويُربك المتلقي.
ومع إلغاء زيارة وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، وتأجيل زيارات مسؤولين محليين فرنسيين إلى الجزائر، تبدو العلاقة بين البلدين في حالة شبه شلل دبلوماسي، رغم الجهود التي بُذلت مؤخرًا لإعادة بناء الجسور بين باريس والجزائر.
وتخشى دوائر دبلوماسية من أن تكون هذه الأزمة أعمق من سابقاتها، خاصة مع تكرارها في ظرف زمني قصير.
تعليقات الزوار ( 0 )