Share
  • Link copied

الجزائر تراجع مقاربتها الأمنية وتفتح قنوات اتصال مع فرحات مهني: الحكم الذاتي لمنطقة القبائل يعود إلى واجهة النقاش السياسي بعد سنوات من القطيعة والتصنيف “الإرهابي”

في تطور مفاجئ قد يغيّر ملامح المشهد السياسي الجزائري، كشفت صحيفة “ساحل إنتليجنس” في تقرير نشرته يوم 19 أبريل 2025، عن انخراط السلطات الجزائرية في محادثات غير مباشرة ولكن “مكثفة” مع فرحات مهني، زعيم حركة الحكم الذاتي لمنطقة القبائل (MAK)، وذلك من أجل بحث إمكانية منح منطقة القبائل وضعاً ذاتياً تحت السيادة الوطنية الجزائرية.

وبحسب التقرير الذي استند إلى مصادر مقربة من وزارة الدفاع والرئاسة الجزائرية، فإن وسطاء غير رسميين تم تكليفهم في الأشهر الأخيرة بفتح قنوات اتصال مع مهني، الذي يعيش في المنفى بفرنسا منذ أكثر من عقدين، ويقود “الحكومة المؤقتة للقبائل” التي صنّفتها السلطات الجزائرية كـ”منظمة إرهابية” منذ عام 2021.

فرحات مهني، الذي أسس حركة MAK في 2001، لطالما دافع عن حق منطقة القبائل في تقرير مصيرها بالوسائل السلمية، مطالباً بحكم ذاتي في إطار يعترف بالتعددية الثقافية والهوياتية داخل الجزائر. واليوم، يبدو أن السلطة الجزائرية بدأت تراجع حساباتها، في ظل تزايد التحديات الداخلية والخارجية، وتراجع فعالية المقاربة الأمنية في التعامل مع الملف القبائلي.

وحسب دبلوماسي أوروبي مطلع على سير المفاوضات، فإن “الخطاب يتغيّر في الجزائر، ثمة وعي متزايد بأن الحل السياسي هو الخيار الواقعي الوحيد، وفرحات مهني بات جزءاً من المعادلة، شاء من شاء وأبى من أبى”.

وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن النقاشات تدور حول صياغة نموذج مؤسساتي خاص بمنطقة القبائل، يشمل برلماناً إقليمياً، وحكومة محلية تتمتع بسلطات تنفيذية، مع ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية أولى، ومنح المنطقة صلاحيات موسعة في إدارة شؤونها الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بالموارد الطبيعية والغابات والصناعات التقليدية والسياحة.

وفي المقابل، وضع فرحات مهني جملة من الشروط للانخراط في مفاوضات رسمية، أبرزها رفع الحظر المفروض على حركة MAK، والإفراج عن المعتقلين السياسيين من أبناء منطقة القبائل، والاعتراف الرسمي بالهوية الأمازيغية التعددية، إلى جانب ضرورة إشراف دولي محايد يضمن نزاهة وجدّية العملية.

ردود الفعل داخل الجزائر إزاء هذه الأنباء جاءت متباينة. فبينما رأت فيها بعض مكونات المجتمع المدني فرصة تاريخية لاحتواء ملف شائك عمره عقود، أعربت أطراف سياسية وعسكرية نافذة عن قلقها من تداعيات “الانفتاح” على حركة لطالما نُظر إليها كمهدد لوحدة البلاد.

ويحذر البعض من أن أي تنازل قد يفتح الباب لمطالب مماثلة من مناطق أخرى، ما يُشكل خطراً على البنية المركزية للدولة. في حين يرى آخرون أن تجاهل الواقع قد يؤدي إلى انفجار أكبر في المستقبل، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي تعصف بالبلاد.

ويعكس التحول الحاصل في موقف الدولة الجزائرية إدراكاً متزايداً بأن الخيار الأمني وحده لم يفلح في تهدئة الأوضاع. وقد صرّح وزير سابق بأن “الشيطنة التي طالت مهني طيلة سنوات كانت خاطئة… الحوار ليس ضعفاً، بل قد يكون مخرجاً وطنياً آمناً”.

وبهذا، يبدو أن فرحات مهني، الذي ظلّ على هامش المشهد السياسي لعقود، يستعيد موقعه كلاعب محوري في لحظة مفصلية من تاريخ الجزائر. أما الحكم الذاتي لمنطقة القبائل، الذي كان بالأمس القريب خطاً أحمراً، فقد أضحى اليوم موضوع نقاش داخل دوائر القرار، وربما يكون مفتاحاً لإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع في الجزائر متعددة الهويات.

Share
  • Link copied
المقال التالي