في وقت تبدو فيه الجزائر نفسها محاصرة دبلوماسيًا، اختارت أن تقف في صفّ إيران – الدولة الأكثر عزلة في الشرق الأوسط حاليًا – في لحظة مفصلية من التصعيد الإقليمي.
فبينما كانت معظم العواصم العربية تتعامل بحذر أو صمت حيال الضربات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، جاءت الجزائر بموقف صريح وحاد، قد لا يُعيد تشكيل الخارطة السياسية، لكنه بالتأكيد يعيد الجزائر إلى سطح الأحداث، ولو إعلاميًا.
مجلة Le Point الفرنسية نشرت في عددها الصادر يوم أمس (الأربعاء) 18 يونيو تحقيقًا موسّعًا بعنوان “Quand l’Algérie volait au secours de l’Iran” (حين كانت الجزائر تُسارع لإنقاذ إيران)، سلطت فيه الضوء على الديناميكية الخفية بين البلدين، وكيف تسعى الجزائر إلى لعب دور الحليف حين يندر الحلفاء، والداعم حين يتراجع الداعمون.
وفي 8 أبريل الماضي، وقبل نحو شهرين من تفجّر النزاع المباشر بين إسرائيل وإيران، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في قصر المرادية، حاملاً دعوة رسمية من القيادة الإيرانية لزيارة طهران.
ورغم أن الحرب أجهضت تلك الزيارة قبل أن تتم، فإنها كانت مؤشرًا واضحًا على أن خط الجزائر–طهران لم ينقطع، بل عاد ليتقوّى في لحظة عزلة مزدوجة.
وفي 13 يونيو، أعلنت الجزائر، عبر بيان لوزارة خارجيتها، إدانتها الصريحة لـ”العدوان الإسرائيلي” ضد إيران، مشيرة إلى أن هذا الهجوم “ما كان ليحدث لولا الإفلات من العقاب الذي يتمتع به المعتدي”.
لكن خلف هذا الدعم، يلوح مشهد أعقد: الجزائر نفسها تعاني من شبه قطيعة دبلوماسية مع عواصم أوروبية كبرى، علاقاتها مغاربية متوترة، تراجع وزنها في الساحة الإفريقية، وتقلّص تأثيرها في الملف الليبي. ومع ذلك، يبدو أنها ترى في الوقوف إلى جانب إيران ورقة رمزية تعوّض غيابها عن دوائر القرار الدولية.
وأشار التحقيق الذي نشرته المجلة الفرنسية، إلى أن هذا التموضع ليس عابرًا، بل يعكس تقاربًا أيديولوجيًا وسياسيًا بين البلدين منذ عقود، بدءًا من وساطة الجزائر في أزمة الرهائن الأمريكيين بطهران عام 1981، وصولًا إلى التنسيق في قضايا مثل رفض التطبيع مع إسرائيل والدفاع عن السيادة الوطنية.
وتساءلت المجلة، حول ما إذا كانت هذه الخطوة جزء من استراتيجية استعادة للدور، أم مجرد تعبير عن عزلة مزدوجة تحاول الجزائر تحويلها إلى ورقة تفاوض معنوية؟ في الحالتين، الجزائر تُظهر أنها – رغم هشاشتها الجيوسياسية – قادرة على اختيار موقعها، ولو على هامش الخرائط الكبرى.
تعليقات الزوار ( 0 )