Share
  • Link copied

التوتر الفرنسي الجزائري.. بين دوافع التصعيد وآفاق التطبيع

أعلنت الرئاسة الفرنسية صبيحة يوم الثلاثاء 15 أبريل 2025، طرد 12 موظفا دبلوماسيا جزائريا ، في إطار الرد بالمثل على طرد السلطات الجزائرية لـ12 موظفا فرنسيا وذلك على خلفية اعتقال السلطات الفرنسية موظفا قنصليا جزائريا في قضية “اختطاف” أحد المعارضين الجزائريين بفرنسا. كما أنه وفقاً لبيان صادر عن القصر الرئاسي (الإليزيه) استدعي سفير فرنسا لدى الجزائر للتشاور محملا السلطات الجزائرية مسؤولية “التدهور الحاد في العلاقات الثنائية مما يعكس التصعيد الذي بلغه مستوى التوتر السياسي بين الجانبين . مما يستدعي التساؤل عن دوافع هذا التصعيد وآفاق طبيعة العلاقات الثنائية.

-دوافع التصعيد الجزائري الفرنسي

على الرغم من أن العلاقات الثنائية بين فرنسا والجزائر تميزت طيلة العقود السابقة بالتشنج وردود الأفعال الانفعالية خاصة من طرف النظام الجزائري، فإن هذا التصعيد الأخير يثير تساؤلا عريضا خاصة وأنه يأتي عقب انفراجة وجيزة قبل نحو أسبوعين عندما اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون، حيث صرح مسؤولون فرنسيون آنذاك بأنهم اتفقوا على إحياء العلاقات الثنائية. كما أن هذا التصعيد يستعر في الوقت الذي يواجه فيه النظام الجزائري حصارا سياسيا وعزلة دبلوماسية سواء على جهته الشرقية بإغلاق الحدود وقطع العلاقات مع المغرب أو على جهته الجنوبية بقطع العلاقات وإغلاق الحدود مع تكتل افريقي لمتشكل من مالي والنيجر وبوركينافاصو. في حين بلغت توتراته مع فرنسا ذروتها بعدما غيرت فرنسا موقفها لتدعم “المبادرة المغربية للحكم الذاتي” للصحراء ، واعتقال السلطات الجزائرية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، والحكم عليه بالسجن 5 سنوات. وبالتالي ، فيبدو أن دوافع هذا التصعيد تعتبر عميقة ليس لتمحورها فقط على قضايا هجرة أو تبادلات تجارية واستثمارية، أو تقييد دخول شخصيات عمومية جزائرية إلى التراب الفرنسي ، بل ترجع بالأساس إلى انقسام حاد داخل مربع القرار سواء بالجزائر أو بفرنسا:

-ففيما يخص الانقسام الحاد بين مكونات مربع القرار الجزائري ، فقد ظهر بالخصوص من خلال الانتكاسة السريعة التي عرفتها العلاقات الثنائية بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين تبون وماكرون ، والزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي للجزائر لتهييئ الأرضية المناسبة لاستئناف العلاقات بين البلدين ، حيث يبدو أن تغافل هذه التحركات عن أي إشارة لملف الصحراء قد يكون من بين أهم الأسباب التي دفعت إلى تصاعد حدة التوتر بين كل من فرنسا والجزائر . إذ لا ننسى بأن الجزائر سبق أن سحبت سفيرها من فرنسا في يوليوز2024 في محاولة للي ذراع فرنسا والضغط على الرئيس الفرنسي للتراجع عن قراره . لكن زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة والاعلان رسميا عن اعترافه بمغربية الصحراء اعتبرت من طرف الجزائر خيانة سياسية من طرف الرئيس الفرنسي خاصة وأن صوت فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي له وزن ثقيل وكذا لإلمام فرنسا التاريخي والسياسي بكل جوانب هذا النزاع . وفي هذا السياق وللرد على هذه الخطوة الرئاسية ، فقد تم اعتقال الكاتب بوعلام صنصال (80 عاما)، في نوفمبر 2024 في الجزائر بعد تصريحه لقناة تعتبر يمينية متطرفة على يوتيوب، بأن جزءا من الجزائر من وجهة نظر تاريخية يعود إلى المغرب لتتوتر العلاقة بين فرنسا والجزائر. وبغية التخفيف من هذا التوترالسياسي الذي بلغ مداه ، أجرى الرئيس الجزائري تبون اتصالا هاتفيا مع الرئيس الفرنسي ماكرون لاستئناف العلاقات الثنائية ، ومهدت لزيارة وزير الخارجية الفرنسي الذي استقبل من طرف الرئيس الجزائري في مطلع أبريل2025 الذي أكد في تصريح بعد هذا الاستقبال بأن “لدينا مصلحة في إقامة علاقة طبيعية مع الجزائر والخروج من التوتر لكي نتمكن من ترحيل الجزائريين المقيمين بطريقة غير نظامية وإقامة حوار في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والنجاح في الإفراج عن مواطننا بوعلام صنصال المعتقل تعسفيا في الجزائر”. لكن يبدو أن بعض مكونات مربع القرار الجزائري، والتي يبدو أنها لم تكن مرتاحة لهذه الخطوة من طرف الرئيس تبون، قد استغلت حادثة اعتقال المسؤول القنصلي الجزائري في قضية محاولة اختطاف أحد معارضي النظام الجزائري لإجهاض أي محاولة انفراج دبلوماسي بين الجانبين. وهكذا صرحت وزارة الخارجية الجزائرية بأن اعتقال المسؤول القنصلي في إطار قضية “الاختطاف” يهدف إلى “إهانة الجزائر، دون مراعاة للوضع القنصلي لهذا الموظف، متجاهلاً جميع الأعراف والممارسات الدبلوماسية، وفي انتهاك صارخ للاتفاقيات والمعاهدات ذات الصلة”. كما أعلنت الجزائر اعتبار 12 موظفا عاملين بالسفارة الفرنسية وممثليتاها القنصلية “أشخاصا غير مرغوب فيهم مع إلزامهم بمغادرة التراب الوطني في غضون 48 ساعة”.

بينما يبدو أن هناك أيضا انقسام داخل مربع القرار الفرنسي ، فإذا كان الرئيس ماكرون ، الذي أظهر ميلا إيجابيا اتجاه الجزائر من خلال إرساله ،في زيارته للجزائر صيف عام 2022 ، إشارة رمزية قوية إلى المستعمرة السابقة، بعدما وصف الحكم الاستعماري الفرنسي السابق للجزائر بـ “جريمة ضد الإنسانية”، وكان مستعدا لاستئناف العلاقات الثنائية وفق أسس جديدة ،إلا أن مكونات الحكومة المتشكلة من اليمين واليمين المتطرف كانت ترى ضرورة اتخاذ أسلوب الحزم السياسي في التعامل مع الجزائر خاصة بعدما رفضت السلطات الجزائرية استقبال مهاجرين جزائريين طردوا من فرنسا . وبالتالي ، فقد استغلت حادثة طرد المسؤولين الدبلوماسيين الفرنسيين للمطالبة بتبني الحزم مع السلطات الجزائرية . إذ على من الرغم من محاولة وزارة الخارجية الجزائرية أن تربط إجراء اعتقال المسؤول القنصلي الجزائري الذي نعتته “بالشائن” بوزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو الذي يرغب في نظرها “بإهانة الجزائر” فقد صرح وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، عبر منصة “إكس” ، بأن قرار الجزائر “غير مبرر” وأن الحوار “لا يمكن أن يسير في اتجاه واحد” داعيا السلطات الجزائرية إلى التراجع عن قرار طرد موظفي بلاده، مؤكدا أنه “لا خيار لباريس سوى الرد فورا في حال الإبقاء على القرار”.ليتم بعد ذلك الإعلان عن طرد 12 مسؤول دبلوماسي جزائري مع استدعاء السفير الفرنسي لدى الجزائر للتشاور ، الشيء الذي تزامن مع عقد لقاء بين وزيري خارجية فرنسا والمغرب بعد عودته من واشنطن ، حيث تم التأكيد على تجديد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء.

2- آفاق التطبيع الجزائري الفرنسي

يمكن القول بأن هذا التصعيد في مستوى التوتر السياسي بين البلدين لا يمكن اعتباره فقط حلقة جديدة في الأزمة المستمرة منذ أشهر بين البلدين. فقد دخلت العلاقات الجزائرية الفرنسية في مرحة حاسمة ليصبح الصدام اليوم سياسيا ورسميا ومؤسساتيا واضحا نظرا لأنها أصبحت تمس عمق العلاقات السيادية بين فرنسا ومستعمرتها السابقة .وتتمحور بالأساس في قضايا مثل الهجرة ومطالبة باريس الجزائر باستعادة المهاجرين غير النظاميين والدعم الفرنسي لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للصحراء الغربية وسجن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر. بالاضافة إلى قضية اختطاف المؤثر الجزائري المعارض أمير بوخرص التي أشعلت فتيل التوتر الدبلوماسي الأخير بين فرنسا والجزائر بشكل يذكر بقضية اختطاف المعارض المغربي المهدي بنبركة والتي تمت فيه محاكمة الدليمي أما محاكم فرنسية .و التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا لأكثر من خمس سنوات . وبالتالي فهذا التصعيد الذي تمظهر في طرد متبادل ل12 دبلوماسيا من الجانبين مع استدعاء السفير الفرنسي للتشاور يظهر بأن العلاقات الثنائية وصلت إلى منعطف سياسي يتطلب إعادة العلاقات الثنائية وفق أرضية سياسية جديدة تقوم على إعادة النظر في بعض الامتيازات التي كان يستفيد منها مواطنوا الجزائر من طرف فرنسا ، والقطع مع توظيف الإرث الاستعماري من طرف السلطات الجزائرية في سياستها الداخلية من خلال استعمال النزاعات العلنية المتكررة مع فرنسا كوسيلة يستخدمها حكام الجزائر لصرف الأنظار عن المشاكل السياسية الداخلية الرئيسية. بالإضافة إلى ذلك فمنذ الإعلان عن استقلال الجزائر ، تقيم فرنسا والجزائر علاقات مضطربة ومتشابكة جدا، نظرا لحجم الجالية الجزائرية الكبير في فرنسا وكذا للتاريخ الاستعماري الفرنسي بالجزائر الذي عادة ما يتم استخدامه في ابتزاز السلطات الفرنسية حتى فيما يتعلق بسياستها الخارجية اتجاه المغرب وبالأخص ما يتعلق بالموقف الفرنسي بنزاع الصحراء. فبعدما عرفت العلاقات بين باريس والجزائر، تحسنا بعد أول زيارة ماكرون، للجزائر في تكسير عرف فرنسي اعتاد فيه الرؤساء الفرنسيون في بداية ولايتهم القيام بأول زيارة للمملكة ، شهدت هذه العلاقات انتكاسة كبيرة بعد انحياز فرنسا في صيف عام 2024 إلى جانب المغرب في هذا النزاع والاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء.

وبالتالي ، فكل هذه المؤشرات تؤكد أن العودة إلى نقطة الصفر لم تعد ممكنة في العلاقات بين البلدين ، إلا من خلال لقاء رسمي مباشر بين رئيسي البلدين، يكون بمثابة انطلاقة حقيقية لإعادة الأمور إلى نصابها، والشروع في بناء علاقات جديدة وجدية على أسس واضحة ومتينة. ولعل هذا ما سبق أن صرح به وزير الخارجية الفرنسي بعد لقاءه مع نظيره أحمد عطاف، عن “مرحلة جديدة في علاقة ندية” بين باريس والجزائر واستئناف التعاون بين البلدين في جميع القطاعات. كما أعلن هذا الوزير ، بعد طرد الدبلوماسيين الجزائريين واستدعاء السفير الفرنسي “بأن فرنسا أظهرت قدرتها على الرد دونما تردد وبحزم على الجزائر، داعيا إلى معاودة الحوار على “المدى الطويل لما فيه مصلحة الفرنسيين”.

من هنا يبدو ، أن السلطات الجزائرية فيما تعيشه من عزلة دبلوماسية سواء على الصعيد المغاربي ( قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود مع المغرب ) أو على الصعيد الافريقي ( قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود مع كل من مالي والنيجر و بوركينافاسو) أو على الصعيد الأوربي من خلال التوتر القائم مع كل من اسبانيا وفرنسا بالإضافة إلى روسيا التي تعتبر الحليف الاستراتيجي للجزائر وما تعانيه من ضغوط أمريكية خاصة في استحضار سقوط نظام بشار الأسد، فسيكون من مصلحة النظام الجزائري إعادة التفاوض مع السلطات الفرنسية وفق أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار المستجدات الإقليمية والدولية التي تعرفها المنطقة الأورو افريقية والتنافس الدولي حول ثروات افريقيا وموقعها الجيوستراتيجي في إطار مخاض النظام العالمي الجديد.

Share
  • Link copied
المقال التالي