من المؤكد أن التواصل أصبح يشكل أحد أبرز المفاهيم المهمة في عالمنا المعاصر، ويمكن وصفه ب”مفهوم زئبقي” له دلالات. ففي الحقل العلمي يكتسي طابع الأهمية في العديد من المجالات المعرفية، أبرزها علم الاجتماع، علم النفس، الفلسفة وعلم السياسية. تارة يحضر في معارف نظرية أو تطبيقية وتارة كتقنيات عملية، بينما يكون محط إشكالات وتساؤلات فكرية في أحيان أخرى. لما لا وهو المفهوم الذي يرتبط باللغة التي تميز الإنسان بتفرده بالإبداع وصنعه لأدوات للتواصل وعالم إنساني، بالإضافة إلى تطور التكنولوجيا ووسائط الإعلام. كما يفرض نفسه أيضا في الحقلين الثقافي والاقتصادي.
” إن الذي لا يجيد التواصل الفعال ( الإيجابي )، لابد له من تعزيز قدراته التواصلية”. هي القاعدة التي أضحت منشودة في العديد من المهن والمجالات، والتي غالبا ما تربط بالجانب النفسي، إذا ما أراد المرء بلوغ الأفضل وإثبات ذاته ضمن الآخر والجماعة، وضمن العلاقات العملية والاجتماعية.
إن التواصل لايعني بالضرورة ” كيفية الكلام ” كما يعتقد البعض، أو باللغة التي يتحدث بها المتكلم، وإنما يعني ” التفاهم ” من خلال عملية تواصلية بين مرسل ومتلق، وهنا الأمر يتعلق بكيفية تبليغ الرسالة التي يحملها المرسل والاستراتيجية التواصلية المعتمدة. وهنا، حسب رأيي، فالتبليغ يرتبط باختيار مفردات مناسبة وتركيبها بالطريقة الناجعة والحجج المعقلنة لإيصال المراد إلى المتلقي وتحقيق الفهم الجيد.
إن العملية التواصلية التي لا تحقق الفهم والتفاهم لا طائل من ورائها، إما لأن المضمون لا يحقق ذلك أو لأن غايته ترتبط بغايات خارج عنه، وهو ما ذهب إليه متخصصون في العلوم ذات صلة بالتواصل. لأن أصل التواصل هو الاتفاق الذي يحقق النقاش والتقدم والتطور، لا الاختلاف والتنافر والإنية.
وبعيد عن الحقول المعرفية والعملية، وقريب من العلاقات الأسرية والتربوية، للتواصل الفعال أهمية في ترسيخ علاقات متينة بين الآباء والأبناء. وعلى سبيل المثال، فإن جملة تحفيزية واحدة قد تصنع التغير الحسن، بل قد تصنع الحدث، شريطة تبليغ الخطإ والصواب مع تبيان المقبول وتمييز المرفوض، عن طريق كلمات وتراكيب مناسبة لإبلاغ الرسالة وتحقيق الفهم والتفاهم من قبل الطفل، لكي تكون العملية التواصلية ناجحة، تأخذ بعين الاعتبار ما هو سيكولوجي.
إن الفهم تواصل، بالإضافة إلى أنه الفهم تواصل أيضا، فهو وظيفة من بين وظائف التواصل. وحسب رومان جاكبسون، فهذه الوظيفية ترتبط بالمتلقي أي المرسل إليه، إلى جانب الوظيفة التعبيرية المتعلقة بصاحب الرسالة، الوظيفة الشعرية وهي مضمون الرسالة، الوظيفة الانتباهية التي تتعلق بقناة التواصل بين المرسل والمرسل إليه، والوظيفة المرجعية وهي سياق الرسالة.
ومن جهة آخرى، لا شك في أن التواصل له علاقة وطيدة بالفن والثقافة. فالتواصل فن والفن تواصل، لأن الذي يمتلك تقنية التبليغ، النقد بحجج، واحترام رأي الآخر ضمن عملية تواصلية يسودها الاحترام يمكن وصفه بفنان. كما أن الفنان الذي ينتج فلما ذو حبكة متقنة متواصل فعال، بقيم الرسالة الفنية التي تصل إلى المتلقي.
وعلى الرغم من أن الفن ليس بالضرورة أن يظهر مقاصده بشكل صريح، لأن المتلقي هو الذي يحاول حل شفرات الحبكة عن طريق موسوعته الثقافية، وكما أنه لا يمكن ربط التواصل المباشر بالتواصل عبر قناة، فإن المقصود بالفن تواصل كل أثر إيجابي فنيا وأخلاقيا. ومن ثمة فإن التواصل الفعال هو فن تحقيق الفهم.
تعليقات الزوار ( 0 )