شارك المقال
  • تم النسخ

التقاضي عن بعد بالمغرب في زمن “كورونا” بين الإكراهات والرهانات

قامت وزارة العدل في ظل أزمة كورونا بإطلاق مبادرة التقاضي عن بعد، حيث أن هذه المبادرة تأتي تماشيا مع الإجراءات الإحترازية المتخذة لمحاربة تفشي فيروس كورونا، وحرصا على سلامة الجميع، إلا أن هذه المبادرة لا تخلو من الإكراهات ولها بالمقابل رهانات.

فهل يتعارض التقاضي عن بعد مع ضمانات المحاكمة العادلة؟ وهل نحتاج لوضع ضوابط للتقاضي الإلكتروني و إرساء قواعد خاصة به؟ وأي مستقبل للخدمات القضائية الالكترونية؟

التقاضي عن بعد و ضمانات المحاكمة العادلة

يقول النقيب عبد الرحيم الجامعي، أعتقد أن المحاكمة عن بُعد لا تتناقض مع قيم المحاكمة العادلة، لا في القانون الوطني ولا في القانون الدولي.

ففي فقه حقوق الإنسان تقوم المحاكمة العادلة على معايير أساسية وهي: العلنية و الحضورية وضمان حقوق الدفاع ومؤازرة المحامي، والحق في الصمت، وتساوي الأسلحة، والمحاكمة في أجل معقول، كلها في اعتقادي قواعد معيارية يمكن ضمانها في المادة الزجرية في المحاكمة بالوسائط الإلكتــرونية.

ويربط الجامعي، تحقيــق هذه الشروط يقوم بعدد من الاعتبارات في ظل حالة الطوارئ الصحية أهمها: التناسب ما بين الحق في الصحة والسلامة والحق في المحاكمة بشروطها العادية العادلة و الثقة في النفس وتقدير مسؤولية من سيتولى مهمة تفعيل المحاكمة عن بُعد في ظرف توتر وقلق خلقته الجائحة رغما عنا، وكذا تحلي الفاعلين في ميدان بمستوى من الجرأة المهنية والأدبية والقانونية والاجتهاد أمام صعوبات قد تظهر أمام الجميع خلال تفعيل هذا الاختيار.

وفي نفس السياق يعتبر الجامعي أن من بين الاعتبارات أيضا التعامل مع إطلاق التجربة بالمرونة، أي ألا تُفرض قرارات تَطبيقها من فَوق ومن مكاتب من هم في قمة المسؤولية، بل أن يُترك أمر وضع منهجية التعامل معها محليا للمسؤولين القضائيين مع تشاور وتنسيق مع نقباء الهيئات بحيث يمكن أن تختلف التطبيقات بين جهة وأخرى …

ويضيف النقيب أنه يجب أن يبقى للمسؤولين محليا في لقاءات ثلاثية منظمة ومستمرة بينهم، يبقى لهم وحدهم إمكانية اختيار مستوى تطبيقها، هل في قضايا جنحية فقط أو في الجنائيا كلها أو بعضها، تطبيقات تختلف من محكمة لأخرى حسب ثقل وعدد القضايا، وطبيعتها وعدد المعتقلين الذين ينتظرون المحاكمة، وأن يتم الأخذ برأي المحامين و برأي زبنائهم المعتقلين خصوصا من حيث تجهيز الملفات.

  دون أغفال أن هناك ملفات لها امتدادات دولية مثلا رغم قلتها فيها تداخُل بين أطراف مغربية وأخرى أجنبية أو مرتبطة بإنابات قضائية دولية لا يمكن معالجتها عن بعد، كما أنه لابد من أن يكون نظام المُحاكمة عن بُعد خلال فترة الحظر والحصار، قائما على المرونة قبل وأثناء وبعد المحاكمة بقصد حماية حقوق المتقاضين وضمان نجاعة القضاء.

التقاضي عن بعد يتطلب تدخلا تشريعيا

صرّح وزير العدل ، محمد بنعبد القادر، أن اعتماد تقنية التقاضي الإلكتروني يتطلب مستقبلاً “تدخلاً تشريعياً” لتأكيد مبدأ الشرعية ولوضع ضوابط التقاضي وإرساء قواعد خاصة به، وذكر بنعبد القادر أن “اعتماد تقنية التقاضي الإلكتروني إن كان في الظرفية الراهنة يبقى محكوماً بشرط استثنائية القوة القاهرة، فإنه مستقبلا يتطلب تدخلاً تشريعياً، أولاً لتأكيد مبدأ الشرعية الذي يشمل حتى الإجراءات المسطرية، ثم لوضع ضوابط التقاضي الإلكتروني وإرساء قواعد خاصة به”.

وكان إعلان الوزارة عن الشروع في تطبيق نظام «المحاكمة عن بعد» باستخدام تكنولوجيا التواصل بين المتهمين نزلاء المؤسسات السجنية من جهة، والقضاة والمحامين في المحاكم من جهة ثانية، أثار بعض المخاوف القانونية والحقوقية خاصة ما يتعلق بالحق في المحاكمة العلنية، وضرورة استماع المتهمين للقضاة والمدعين من دون حواجز، في الوقت الذي اعتبر العديد من الفاعلين في منظومة العدالة أن الإكراهات التي تفرضها جائحة فيروس كورونا تمثل فرصة سانحة لتعبئة كل الطاقات من أجل أن القيام بالخطوة الحاسمة التي طالما تم التردد فيها، وهي الخطوة نحو تحديث قطاع العدالة بتسريع وتيرة التحول الرقمي في العملية القضائية.

في اتجاه رقمنة التقاضي 

إن الإدارة القضائية تتجه نحو تكريس مفهوم جديد في تدبير القضايا ومعالجتها، تدبير قائم على الإدارة الإلكترونية، فهي تسعى إلى تعميمها في جميع هياكلها، وهذا ما يلاحظ مع مشروع قانون 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي الذي أحيل على المحكمة الدستورية للبت في مدى مطابقته للدستور تفعيلا للفصل 132.

هناك أصوات تنادي  بتعميم مبادرة “التقاضي عن بعد” في جميع المحاكم المغربية ما بعد أزمة كورونا خصوصا أن الجانب الإلكتروني أصبح ضرورة ملحة لسرعة البت في القضايا وتفادي آثار البيروقراطية الإدارية، فالقضاء يعتبر من المفاتيح المهمة لدولة الحق والقانون، ولتحسين مناخ الأعمال والاستثمار، فالإدارة الإلكترونية في المرفق القضائي ستعزز هذا الدور، بل ستساهم أيضا في تحسين الأداء وتحقيق الجودة وضمان السير السليم للمرفق القضائي، بالإضافة إلى تحقيق النجاعة والفعالية.

ثم إن المؤسسة القضائية بجميع هياكلها وفروعها من أهم أهدافها، تعميم الإدارة الإلكترونية، لخدمة المواطن بالدرجة الأولى، ولتحقيق الحكامة القضائية ، والانخراط في ورش التحديث وتطوير الخدمات القضائية الالكترونية وتجويدها وملائمتها مع المتغيرات الوطنية والدولية في مجال العدالة الرقمية التي تعتبر من التحديات الأساسية التي يجب كسب رهانها.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي