في مشهد استوقف المراقبين الدوليين وأثار تساؤلات عميقة حول التحولات الجيوسياسية في شمال إفريقيا، ظهر مقاتلون من جبهة البوليساريو وهم يرفعون صورة آية الله الخميني، الزعيم الروحي للثورة الإيرانية، فوق دبابة عسكرية في منطقة الصحراء الغربية المغربية.
وهذا الحدث، الذي وثقته تقارير موقع “ساحل إنتليجنس”، لم يكن مجرد استعراض دعائي، بل مؤشر صريح على تقاطعات خطيرة بين الحركات الانفصالية والمشاريع التوسعية لقوى خارجية، على رأسها إيران.
إيران والبوليساريو: من الدعم الأيديولوجي إلى التعاون التكتيكي
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن رفع صورة الخميني، بكل رمزيته، يعكس تقاربًا أيديولوجيًا واستراتيجيا بين البوليساريو وطهران، وهو تقارب يتعدى الشعارات إلى دعم فعلي يتجلى في الأسلحة، والتدريب، وحتى الطائرات المسيّرة.
وبحسب الخبراء، فإن إيران تسعى جاهدة لتعزيز نفوذها في إفريقيا عبر بوابات التوتر والنزاعات، مستفيدة من هشاشة الوضع الأمني في مناطق مثل الساحل والصحراء.
وتبدو الجزائر، التي تستضيف وتدعم البوليساريو منذ عقود في تندوف، حسب التحليلات، منخرطة في استراتيجية جيوسياسية تصادمية، ليس فقط مع المغرب، بل مع المصالح الفرنسية والأمريكية في المنطقة، في ما يمكن اعتباره شكلاً من أشكال “الجيواستراتيجية الإرهابية”.
ويستخدم هذا المصطلح الجديد لوصف توظيف الفاعلين غير الحكوميين، مثل البوليساريو، كأدوات في صراعات دولية تتجاوز الحدود التقليدية.
ضربات متصاعدة… والضحايا مدنيون
وخلال أبريل الجاري، شنت عناصر البوليساريو هجمات في منطقة الگلتة، استهدفت مواقع عسكرية مغربية، وفق ما أوردته وكالة “SPS” التابعة للجبهة والمتمركزة في الجزائر. إلا أن تقارير أخرى تشير إلى أن هذه الهجمات غالبًا ما تتسبب في خسائر في صفوف المدنيين، في ما يشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويعزز تصنيف البوليساريو كجماعة ذات طابع إرهابي.
ففي الوقت الذي يُتهم فيه البوليساريو بتنفيذ هجمات عشوائية تستهدف المدنيين والمنشآت الحيوية، تواصل الجماعة تحصين مواقعها بدعم من تقنيات عسكرية متطورة، يُرجح أن يكون بعضها من صنع إيراني أو عبر وسطاء مرتبطين بطهران.
حضور أمريكي وفرنسي تحت الضغط
ولا تنظر الولايات المتحدة ولا فرنسا بعين الرضا إلى هذا التحالف المريب. فالأولويات الأمنية الغربية في إفريقيا، خاصة بعد صعود الجماعات الجهادية في الساحل، تجعل من أي تحالف بين ميليشيات انفصالية وقوى إقليمية راديكالية مصدر تهديد مباشر للمصالح الغربية.
وقد ازداد القلق تحديدًا بعد رصد استخدام طائرات مسيّرة من نوع إيراني الصنع في نزاعات محلية، وهو ما يهدد بتغيير موازين القوى لصالح أطراف غير حكومية.
من صحراء متنازع عليها… إلى بؤرة صراع جيوستراتيجي
وتتغير طبيعة النزاع في الصحراء تدريجيًا. ما بدأ كصراع سياسي تقليدي بين دولة وجبهة انفصالية، يتحول شيئًا فشيئًا إلى ساحة صراع دولي بأدوات غير تقليدية.
ويرى التقرير، أن التحالف بين البوليساريو وإيران لا يهدد فقط استقرار المغرب، بل يفتح الباب أمام اختراقات إقليمية قد تطال كامل شمال وغرب إفريقيا.
وفي هذا السياق، بات من الضروري، بحسب محللين أمنيين، إعادة النظر في مقاربة التعاطي مع البوليساريو، ليس فقط كحركة انفصالية، بل كفاعل غير حكومي يتبنى أساليب وأجندات إرهابية عابرة للحدود، في انسجام تام مع قوى إقليمية معروفة بدعمها للجماعات المسلحة والمتطرفة.
وأشار تقرير الصحيفة، إلى أن التحالف المقلق بين البوليساريو وإيران، بغطاء جزائري صريح، لم يعد مجرد احتمال جيوسياسي، بل واقع ميداني يعكسه وجود الطائرات المسيرة، الأيديولوجيا المتشددة، واستهداف المدنيين.
ومع كل ذلك، يبقى التحدي الأكبر أمام المجتمع الدولي هو الاعتراف بهذه الديناميكيات الجديدة، والتحرك قبل أن تتحول الصحراء الكبرى إلى مختبر جديد لصراعات مفتوحة بوجوه متعددة.
تعليقات الزوار ( 0 )