شارك المقال
  • تم النسخ

البلطجة الحزبية ورهانات الغباء الرسمي

  مهما كانت قناعة المرء قوية في ضرورة ممارسة السياسة، من أجل المساهمة في التفكير الجماعي في مشاكل التراب. فإن ما يقع حزبيا لا يمكن سوى أن يقوض القناعة ويدفع إلى العزوف كرد فعل مناسب للهمجية السياسية وللبلطجة التي تميز سلوكات الفاعل الحزبي.

ويبدو من خلال ملاحظة كل مؤثمرات الأحزاب خلال السنوات الأخيرة إننا فعلا أمام ردة سياسية تجعل الأحزاب “قبائل” متخصصة في إنتاج الرداءة و استهداف الخصوم، من خلال اعتماد أسلحة مافيوزية تسيء لنبل السياسة. ومن حزب الاستقلال نحو التقدم والاشتراكية إلى حزب الأصالة والمعاصرة؛ ما يزال العبث الحزبي عنوانا عريضا للمشهد السياسي في وطن تأبى الأحزاب فيه إلا أن تهدر فرص العمر أمام شعب يتشوق الى غذ مشرق.

والأنكى من ذلك أننا نلمس كون معادلة الجدل العقيم تستهدف نوعين من الضحايا؛ الشعب التواق الى فعل سياسي مناسب لحجم التطلعات الجماهيرية وقق منسوب الحاجة المجتمعية الى خطاب جديد مؤسس على نظيمة الحقوق والحريات وحسب مباديء العدل و الإنصاف، والدولة التي اصبحت التهم تلاحقها مباشرة ودون اشكال مضمرة كما كان عليه الأمر سابقا. فعبد اللطيف وهبي، من موقعه كمرشح للأمانة العامة يصرح جهرا بأن حزب الجرار مطالب بالحسم مع مرحلة حزب الدولة !!

قانونيا و أخلاقيا و سياسيا؛ نعتبر التهمة هذه كبيرة جدا، على اعتبار ان السيد وهبي ملزم بتوضيح طبيعة الدولة التي تتصرف من مدخل حزبه !! فالدولة جهاز مفاهيمي و نسق مؤسساتي و بنية نظامية؛ ترى ماذا يقصد بضرورة حسم الحزب علاقته مع الدولة !! علما أن كل الأحزاب مطالبة ان تنشد بناء دولة ديموقراطية مثينة على لبنات الدمقرطة وإحقاق الحقوق و ضمان الحريات.

فهل يجهل وهبي ان كل الأحزاب السياسية ، منذ كتلة العمل الوطني، نحو حزبي الاستقلال و الشورى و الإستقلال ، ولدت من رحم الدولة في سياق موسوم بالمقاومة ضد الكولونيالية. أم يرى وهبي، من خلال تشدقه بضرورة الحسم مع الدولة وتوطيد العلائق مع الحزب الأغلبي، انسجاما مع تعليمات بن كيران ، يريد تقديم نفسه كمناضل صنديد قادر على توجيه سهام الطعن لكن كان خلف بن شماس من داخل بنية الدولة العليا، متناسيا أن الحزب الإسلامي نفسه ولد من جبة الدولة ، بالمنطق نفسه الذي ميز البام تماما عندما كان الدكتور الخطيب مدخلا لتطبيع العلاقة مع الإسلام السياسي الليبرالي الذي بدأ ينسجم مع مخططات التكتيك الوطني والدولي منذ الإنشقاق الحاصل مع زعماء الشبيبة الإسلامية عندما غادر عبد الكريم مطيع و محمد كمال .. وبقي بن كيران كزعيم مسنود دوليا في سياق اتسم بالصراع بين المعسكرين الأمريكي الليبرالي والسوفياتي الشيوعي؛ حتى إن الإسلاميين؛ سلفيين ووهابيين و إخوان كانوا جميعا من أهم ميكانيزمات محاصرة المد الأحمر داخل الجامعة وفي كل زوايا المد الإيديولوجي ، من المغرب غربا نحو افغانستان التي كان بها المجاهدون الأفغان الذين تحولوا فيما بعد الى حركة طالبان.

إن الأستاذ وهبي تناسى أنه حصل على صفة نائب الأمة عندما كان الحزب، كما يصرح هو ، حزب دولة !! ألا يمارس فعلا تجريحا في حق نفسه باعتباره نائبا برلمانيا بفضل دعم الدولة للحزب الذي منحه التزكية !! أم ترى حصل على التزكية من دون ارادة من الدولة .إن التناقض المنهجي ، وفق مفارقة ” يأكل الغلة و يسب الملة ” يلازم مواقف وهبي، الثائرة شكلا والمعطوبة عمقا.

ورغم هذه البنية المعطوبة حري ان نوجه النقد فعلا على عمومية الفهم في اتجاه من كان خلف استقالة الياس العماري ، الرجل الحديدي في الحزب، ومن يا ترى أوحى بتخريب البام، ومؤشرات ذلك واضحة منها استقالة إلياس وانتصار وهبي في الحكم الاستئنافي وما حصل من صراع خفي حول أخشيشن والمخطط الإستعجالي ..

وكلها تساؤلات مشروعة تفيد أن العبث الملازم لدينامية الحزب مفتعلة بما يمنح لوهبي شرعية القول ودون مشروعية الفعل. وبين وهبي و بيد الله ؛ سيتوقف الجرار في منتصف الطريق، وبذلك كل الطرق ستنتهي معبدة أمام الحزب الإسلامي الناجح، عن جدارة واستحقاق، في كسب رضى الغرب باعتباره ” لإسلامي الديموقراطي”، الناجح، دون منافس، في تطبيع الفهم المتدين للسياسة مع توصيات مؤسسات النيو – ليبرالية، وما تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة .. سوى مؤشرات تعكس نجاح الإسلام السياسي في تخريب الدولة الاجتماعية وتدمير كل المكتسبات التي ضمنت اللحمة الدافئة لصالح تمثين صلابة الجبهة الداخلية.

ولأن وهبي حليف بن كيران، وابن كيران هذا غريم البام ، ولأن موت البام لصالح الحزب الأغلبي، ولأن هذا الأخير يضمن كتلته الناخبة باعتباره يمارس السياسة بمنطق العقيدة التي تبنى من خلفية الدعوي الذي تعضده جبهة الإصلاح و التوحيد.

ولإن “الإسلام الديموقراطي” الذي تدعه الولايات المتحدة الأمريكية، يلتقي مع إسلام دعم مسببات “الانكسار” عبر بوابة “القومة ” على قاعدة وحدة المرجعية ووحدة الأفق مع اختلاف التكتيك، ولأن العامل الخارجي حاسم في تخريب الدول من الداخل عبر تشتيت التلاحم. فإن المخرجات لن تنتهي سوى إلى مزيد من حكم الاسلاميين بعد 2021 . وكل المؤشرات تفيد أن الغباء الرسمي واضح جدا لصالح المد الأصولي الذي سيفجر الوضع ذات يوم ات لا محالة، بإيعاز من مخططات العام سام.

فهنيئا للتقية الإسلامية انتصارها على غباء من يراهن على وهبي وغيره من انتهازيي السياسة.

*أستاذ وناشط حقوقي

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي