بناصا
يعد الأدب النسائي المغاربي ظاهرة أدبية حديثة بامتياز، وظهر هذا الأدب في أحضان الحداثة حيث شكلت قيمها أهم مبادئه قصد المضي قدما لإثبات وجود إبداع نسائي متميز قائم بذاته. ورغم الخلاف على فكرة وصف أدب معين بالذكورة والأنوثة، تبقى هذه الكتابة ذات بعد جمالي بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر، ويبرز -في هذا السياق- السؤال عن مكانة الكتابة النسائية المغاربية.
بينما يتساءل البعض عن كون كتابات المرأة تكرارا أو تقليدا لكتابة الرجل، ينظر آخرون إلى الكتابة النسائية المغاربية على أنها إضافة مميزة على مستوى الكتابة الأدبية، شكلا ومضمونا.
الأدب المغربي
لم تكن المرأة مغيبة عن الإبداع الثقافي المغربي في فترات تاريخية مهمة، بينها حقبة الاحتلال الفرنسي والمقاومة. ويعتبر مؤرخو الأدب بالمغرب أن الحضور النسائي المغربي كان موجودا في المشهد الثقافي منذ زمن بعيد، كالشاعرة سارة الحلبية التي كانت تعتبر في عهد المرينيين (بين القرنين 13 و15 الميلاديين) من أحسن شعراء مدينة فاس.
لكن المصنفات الأدبية لم تحفظ لنا إلا إنتاجات نسائية قليلة، وعزا البعض ذلك إلى عدة أسباب بينها تجاهل المؤرخين للأدب النسائي وتهميشه، رغم أن تاريخ المغرب عرف وجود العديد من النساء الفقيهات والعالمات مثل آمنة بنت خجو التي عاشت في الفترة السعدية، والسيدة عائشة زوجة المختار الكنتي التي توفيت عام 1224هـ الموافق للعام 1810م.
وانخرطت المرأة إبان فترة الاحتلال في الدفاع عن حوزة الوطن، وظهرت إبداعات نسائية كأعمال ملكة الفاسي التي نشرت قصة بعنوان “الضحية” في مجلة “الثقافة” المغربية عام 1941 عالجا فيها موضوع الزواج التقليدي. وفي 1955، نشرت الكاتبة آمنة اللوه قصتها “الملكة خناثة” في مجلة “الأنوار”، والتي اعتبرها النقاد رواية تاريخية قصيرة تقرأ التاريخ المغربي من زاوية نسوية.اعلان
ويعد الحديث عن هاتين التجربتين بمثابة اللبنة الأولى لنشأة الكتابة النسائية في مجال الحكي القصصي خصوصا، إلا أن الانطلاقة الحقيقية للأدب النسائي المغربي تعود لأواخر الستينيات، مع صدور رواية “غدا تتبدل الأرض” لفاطمة الراوي عام 1967، ومجموعتين قصصيتين لخناثة بنونة “ليسقط الصمت” و”النار والاختيار” في العام نفسه، بالإضافة إلى مجموعة قصصية للكاتبة رفيقة الطبيعة تحت عنوان “رجل وامرأة” عام 1969.
تقول رئيسة رابطة كاتبات المغرب عزيزة يحضيه عمر في حديث للجزيرة نت إن الأدب النسائي المغربي عرف تطورا مهما، ومن إرهاصات ذلك ولادة هذه الرابطة عام 2012، والتي استطاعت على مدى ثماني سنوات أن تؤسس لمجتمع نسائي مبدع من خلال تمثيلية 70 فرعا على الصعيد الوطني.
واحتضنت الرابطة العديد من المبدعات في الأنواع الأدبية المختلفة، بما فيها المقالة والشعر والقصة والرواية والنقد.
“تبراع” موريتاني
وفي المجتمع الموريتاني الذي يبدو متمايزا بعض الشيء عن المجتمعات المغاربية في عاداته وطبائعه، تقول الكاتبة السالكة اسنيد للجزيرة نت إن المرأة الموريتانية سجلت منذ القديم حضورا في الشعر الفصيح، على عكس ما يقال بأن إسهاماتها الأدبية اقتصرت على الأدب الشعبي وشعر “التبراع”.
وولد أدب “التّبْراع” كزفرة أنفاس أنثوية محرومة، ولوعة شوق تحررت ذات فيض من العشق والهيام بعد تراكم للحواجز والعقبات، فانسابت متجاوزة بخطوة أو اثنتين ما رسمه المجتمع من حدود وما فرضه من قيود، خاصة أن موضوعه هو بوح المرأة بحبها ومشاعرها.
غير أن “التّبْراع” لم يكن مجرد محاولة لكسر حاجز الصمت، بل كان ثورة على الشكل والقوالب والأغراض الأدبية الكلاسيكية، فبه اجترحت المرأة الموريتانية لونا جديدا يختلف عما عاشت داخله من تقاليد أدبية ذكورية، من قصائد فصيحة وشعبية تلتزم البحور الشعرية والقوافي.
موروث جزائري
يمكن القول بأن الأدب النسوي في الجزائر لا يختلف عن مثله في البلاد المغاربية أو العربية، ولم يجر الاعتراف بالكاتبات الجزائريات إلا في بداية السبعينيات. ورغم هذا التأخر فإن الكاتبات استطعن فرض أنفسهن مغاربيا وعربيا.اعلان
وفي هذا الإطار، قالت الشاعرة الجزائرية زينب الأعوج إن اهتمامها بالأدب النسائي الجزائري والمغاربي والعربي جاء لكونها أستاذة جامعية وأكاديمية وباحثة منذ سبعينيات القرن الماضي.
وتضيف زينب في حديث للجزيرة نت “وجدت أن كتب النقد الخاصة بالأدب النسوي قليلا ما تتحدث عن الإبداعات النسائية، مما جعلني أحس بنوع من التهميش والإجحاف في حق المرأة بشكل عام. لكن يبقى إبداع المرأة الجزائرية حاضرا، سواء باللغة العربية أو الفرنسية، أو كل أشكال الإبداع المرتبطة بالموروث الشعبي الجزائري بلهجاته المختلفة والمتنوعة”.
وتتابع “لهذا لا يمكننا الحديث عن الإبداع النسائي الجزائري ونتناسى النساء الجزائريات المؤسسات في هذا المجال مهما كانت القيمة الإبداعية بطبيعة الحال، وبأي مقياس نحكم عليها، من أمثال الطاووس عمروش، وجميلة دباش، ومريم بان، والزهور ونيسي، وآسيا جبار، وحواء جبالي، ويمينة مشاكرة، وصافية كتو، وزليخة السعودي وغيرهن.. كما أنه لا يمكننا أن نغفل أسماء من جيل السبعينيات مثل: مبروكة بوساحة، وأحلام مستغانمي، وجميلة زنير..”.
الأدب الليبي
في كتابه “الأدب النسائي الليبي.. رهانات الكتابة ومعاجم الكاتبات”، يتناول الباحث الليبي بوشوشة بن جمعة البدايات الأولى لتشكل الكتابات النسائية الليبية في فترة خمسينيات القرن الماضي، التي عرفت ظهور أجناس أدبية مستحدثة.
وجاء هذا الكتاب لينصف الكتابات النسائية الليبية التي مرت بمراحل مهمة حتى وصلت مرحلة النضج.
وفي حديثها للجزيرة نت، تقول الشاعرة الليبية رحاب شنيب إن الأدب النسائي الليبي مر بمراحل عديدة وتأثر بطبيعة التحولات السياسية والثقافية في البلاد، مضيفة أن ليبيا اليوم تعرف حضور العديد من المبدعات في شتى أصناف الأدب.
كتابة تونسية
ويقود تناول الأدب النسائي التونسي إلى ذكر رائداته مثل ناجية ثامر التي أصدرت روايتي “عدالة السماء” و”أردنا الحياة” وقصصا للأطفال بعنوان “حكايات جدتي”، وهند عزوز مؤلفة مجموعة “في الدرب الطويل” القصصية، وفاطمة سليم التي نشرت قصصها في صحف ومجلات تونسية منذ العام 1961.
أما حاليا فتبرز عدة أديبات مثل رحمة بوزيد، ونورس المكشر، وغادة كلاعي وغيرهن، ممن أنتجن إبداعات تونسية بصيغة نون النسوة كانت سببا في ظهور مصطلح الأدب النسوي الذي ما زال مثار العديد من النقاش والجدل بين العديد من المتداولين في الشأن الثقافي التونسي.
وتعتبر الشاعرة التونسية لطيفة الشابي أنه يجب الاعتراف بالكتابات النسائية التونسية وبمبدعات تميزن بعلو هامتهن الفكرية والإبداعية أدبا وشعرا، بالإضافة إلى دورهن المتميز في العديد من المهرجانات الثقافية.
وأضافت لطيفة في حديث للجزيرة نت أن مضامين الكتابة النسائية التونسية تؤسس لنشأة مهمة من زاوية رؤية متفاعلة مع محيطها ومجتمعها على غرار الرجل، ولهذا يجب الافتخار بإنجازات المرأة التونسية في المجال الأدبي والثقافي.
الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )