يواصل مجموعة من قاطني مناطق متفرقة في إقليم فجيج بوعرفة، الخروج للاحتجاج بشكلٍ شبه أسبوعيّ، للمطالبة بتوفير أبسط شروط العيش، المتجسدة في شبكة الماء الصالح للشرب، والكهرباء، إلى جانب خطّ الهاتف، والمواصلات، دون أن يلقوا آذاناً صاغية، رغم أن المنطقة تعيش وضعاً صعباً للغاية، في ظلّ ارتفاع معدلات البطالة، والهدر المدرسي، وانتشار الفقر.
ناقوس الخطر دقّ منذ فترة.. ولكن !
دقت المندوبية السامية للتخطيط، منذ أكثر من ثلاث سنوات، ناقوس الخطر، الذي كان يفترض أن يوقظ المسؤولين على المستوى المحلي بجماعات إقليم فجيج، وعلى المستوى الإقليمي، والجهوي، وحتى الوطني، بعدما كشفت في دراسة لها، بأن تأثير الفقر متعدد الأبعاد عرف تقلّصاً في جميع مناطق المغرب، باستثناء إقليم فجيج.
وكشفت مندوبية الحليمي، في دراسته التي أنجزتها سنة 2017، أن معدل الفقر بإقليم فجيج، انتقل من 28 في المائة سنة 2004، إلى 34.5 في المائة سنة 2014، واضعةً المنطقة المذكورة، على رأس الأكثر فقراً في البلاد، وهو ما عزاه المصدر نفسه، إلى ارتفاع الوزن الديموغرافي للمناطق القروية، التي انتقلت من 35 في المائة سنة 2004، لـ 51 في المائة سنة 2014.
بمساحة أكبر من جهة الدار البيضاء.. إقليم فجيج يستنجد
مساحة إقليم فجيج، التي تشكل حوالي نصف حجم جهة الشرق، أكبر من جهات مثل الدار البيضاء سطات، والرباط سلا القنيطرة، وطنجة تطوان الحسيمة، إلا أن المنطقة تظل أفقر الأراضي المغربية، وسط بعد كبير حتى عن مركز الإقليم، الذي تصل المسافة من بني تجيت مثلا إليه، إلى أزيد من 258 كيلومتر، أي أبعد من المسافة التي تفصل الحسيمة؛ جهة الشمال، عن وجدة، في أقصى شرق جهة الشرق.
ويعاني ساكنة الإقليم من مع أبسط متطلبات العيش اليومي، حيث يضطر سكان المنطقة، الراغبين في الوصول إلى الخدمات الصحية، إلى قطع مسافة مئات الكيلومترات، للوصول إلى المستشفيات، وسط ضعف كبير في البنية التحتية للطرقات، وغياب لشبكة مواصلات من شأنها تقريب المسافة بين الإدارة والخدمات، وبين المواطنين.
الجفاف يأكل الأخضر.. واليابس أيضا..
وفي هذا السياق، قال حمزة أبراهمي، الباحث في التنمية المستدامة والبيئة، وابن إقليم فجيج، إن المشاكل التي يعانيها الإقليم، يمكن تصنيفها إلى ثلاث مستويات، الأول اجتماعي، والثاني اقتصادي، وثالث متعلق بالمنتخبين”، مضيفاً: “فيما يخص الأول، فيمكن رصد مظاهره في ارتفاع نسب الفقر والهشاشة، إذ يصنف الإقليم من أفقر المناطق في المغرب”.
وتابع أبراهمي في تصريح لجريدة “بناصا”، بأن أسباب المشكل الاجتماعي، مرتبطة بعدة أمور من بينها أن المنطقة “تتميز بنمط عيش يغلب عليه الطابع البدوي، لكن مع توالي السنوات الجافة، تراجعت المراعي وكذلك قطعان الأغنام، ما ساهم في هجرة الرحل نحو المدن، مثل بوعرفة، تندرارة، تالسينت”.
هجرة نحو المدن بحثاً عن تنمية غائبة
وزاد أن “المهاجرين الجدد استقروا في هوامش المدن، وفي أحياء تصنف على أنها مكونة من منازل الصفيح، ومع غياب شبكات الماء والكهرباء والواد الحارّ تفاقمت معاناة الرحل، إلى جانب المدخول اليومي شبه المنعدم، نظرا لكونهم لم يستطيعوا الاندماج في المدن، بسبب غياب المساعدات التي من شأنها أن تخدم هذا الأمر”.
وأردف أبراهمي، بأن “ما زاد الطين بلة هو انعدام فرص الشغل في المدن السالفة الذكر، حتى بالنسبة لقاطنيها، فإقليم فجيج يعرف تنامي لمعدلات البطالة، نظرا لغياب الوحدات الصناعية، والمعامل، وفرص الشغل بشكل عام، ما أدى لهجرة مجموعة من الشباب نحو الداخل المغربي، فيما اختار آخرون ركوب قوارب الموت آخرهم أولئك الذين توفوا مؤخرا في شواطئ الجزائر”.
عصابات المخدرات.. وإغلاق المناجم فاقما الوضع
وأشار المتحدث ذاته، إلى أنه 4 شباب ينتمون للإقليم، لقوا مصرعم في فترة لا تتجاوز السنة، كان آخرهم عمار لقرع، مسترسلاً بأن “انعدام الاستقرار المادي والاجتماعي ساهم كذلك في ظهور عصابات إجرامية في تهريب المخدرات نحو الجزائر”، موضحاً بأن هذه العصابات، “غررت بعشرات من أبناء الإقليم الذين حوكموا بسنوات سجنية داخل البلاد تارة، وبالجزائر تارة أخرى”.
أما على المستوى الاقتصادي، يضيف أبراهمي، فالمنطقة “كانت معروفة بالمناجم إلى حد ما، وكذلك بتربية الماشية، لكن في السنوات الأيخرة، ومع توالي الجفاف، وإغلاق مجموعة من المناجم، لم تعرف المنطقة إحداث أي بديل اقتصادي، ما نتج عنه سكتة اقتصادية ضربت الإقليم”، مردفاً بأن هذا ينضاف إلى أن “التنمية المنشودة لم تعرف طريقها إلى الإقليم”.
ممثلو الإقليم المنتخبون لم يوصلوا معاناة الساكنة
ونبه أبراهمي، إلى أن إقليم فجيج، لا يتوفر على شبكة طرق سيارة، أو سكك حديدية لربطه بباقي مناطق الداخل، باستثناء طريق وطنية وحيدة، معتبراً بأن ممثلي الإقليم في المؤسسات المنتخبة لم يستطيعوا إيصال معاناة أهل المنطقة إلى قبة البرلمان، قبل أن يختتم تصريحه، بالقول إن “كل هذه الأسباب جعلت المنطقة هشة وفقيرة”، ومؤكداً أنه “وجب دق ناقوس الخطر من أجل إيجاد حلول عاجلة للساكنة”.
فوارق مجالية تفاقم وضعية المنطقة
من جهته أشار بولعيد قرجيج، الباحث في العلوم السياسية، إلى أن إقليم فجيج، يمكن تقسيمه إلى منطقتين، الشرقية المحاذية للحدود الجزائرية، التي تضم فجيج وبوعرفة، والغربية القريبة من الأطلس، والتي تتواجد بها بلدات بني تجيت وتالسينت وبوعنان، وكلّ المشاريع التي لها علاقة بالتنمية، أو تقريب الإدارات والخدمات للمواطنين، تسيطر عليها المنطقة الشرقية.
وأوضح قرجيج، وهو ابن القسم الغربي من الإقليم، في تصريح لجريدة “بناصا”: “حين يأتي أي مشروع، يقومون بتقسيمه بين فجيج وبوعرفة، وإن كان هناك أي مستشفى، فإن المدينتين ستحظيان به، أما المنطقة الغربية من الإقليم، فلا شيء يصلها”، إلى جانب “أن هناك من لا يريد تنمية الإقليم عموماً، ونجد مثلا أن هناك أشخاص استفادوا من أكثر من مشروع من المخطط الأخضر، ومبادرات التنمية البشرية”.
مسؤولون جعلوا رئاسة الجماعات الترابية تركةً تورّث
ونبه المتحدث إلى أن “تسير الجماعات في إقليم فجيج، يمكن أن نصفه بالإرث، لأن هناك العديد من الرؤساء ورثوا التسيير عن آبائهم وأجدادهم، فمباشرة بعد خروج الاستعمار، مسكوا الرئاسة، وظلوا بها ليخلفهم بعدها أبناؤهم، فمثلا هناك أشخاص تولوا التسيير لولايتين أو ثلاث، قبل أن يغادروا ويأتي أبناؤهم أو أحفادهم ليتولوا المنصب نفسه، دون أن ننسى أن قبيلة واحدة هي من تسيطر”.
واعتبر بأن المثال الأخير، يمكن “تنزيله على معظم جماعات إقليم فجيج، المسيرون يرثون الرئاسة عن آبائهم، أو أجدادهم، لأن الانتخابات تحكها جوانب أخرى غير الكفاءة والاستحقاق، ويدخل فيها المال بقوة، ومن يملك الأخير يفوز، ولأن هؤلاء القبائل والأشخاص يملكونه، فإنهم سيطروا على الجماعات منذ عقود”.
برامج التنمية ومخططات الإصلاح لم تعط أي نتائج
واسترسل بأن هناك معطى آخر، يزيد من معاناة سكان الجنوب الشرقي، هو أن “أغلب الموظفين والمسؤولين في كل الجماعات بالإقليم، يقطنون بفجيج، وحين يأتي أي مشروع، مثلا لتنمية بني تجيت أو تالسينت أو تندرارة، يتم تفويته لفجيج، قبل أن يستدرك بأن هذا لا يعني أن بوعرفة وفجيج يعيشون حياة جيدةً، لأنه مثلا بوعرفة، لا تتوفر على أي شيء باستثناء المؤسسات والإدارات، لا وجود للتنمية”.
ومضى يقول إنه “لا يمكن توصيف واقع إقليم فجيج، أكثر مما وصفته به المندوبية السامية للتخطيط، حين اعتبرته أفقر إقليم في المغرب”، مضيفاً: “من يزور هذه الرقعة الجغرافية سيعي جيداً المعنى الحقيقي للمغرب غير النافع”، متابعاً: “أن برامج التنمية والمخططات الإصلاحية التي همّت المنطقة لم تعط أي نتائج”.
مسيرون فاشلون بلا كفاءات.. وغياب للمحاسبة
وأكد على أن “العطالة في ارتفاع، والتهميش موجود، والعزلة والهدر المدرسي في ازياد والفوارق الاجتماعي هي السمات البارزة على وجوه الناس”، مسترسلاً: “يمكن إرجاع المشكل إلى مخلفات الاستعمار، حيث ورث بعض المسؤولين من أجدادهم المسؤولية، ولا يزالون عليها إلى اليوم، ولا يزاحمهم فيها أحد”.
وواصل التحدث نفسه، بأن كلّ “الأصوات الحرة التي تنادي بالكرامة والعدالة الاجتماعية، تواجه بأسلوب الحكرة والاستبداد، وهذا يشكل جزءاً من الأزمة، ناهيك عن بقاء مسيرين فاشلين بلا كفاءات بعيدين عن نبض الساكنة ومعاناتها، في ظل غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة”، مردفاً: “من بين الإشكالات التي يعاني منها الإقليم كذلك، هو انعدام النشاط الصناعي”.
إلى جانب، يضيف بولعيد، “أن الإقليم بعيد جغرافياً عن الأقطاب الصناعية بالشرق؛ وجدة والناظور، كما أن هناك غياباً شبه كاملٍ لتسويق الثروات المعدنية لتعود بالنفع على المواطنين، دون أن ننسى أن الإقليم ضعيفة جدا من حيث المواصلات، ما يزيد من العزلة، وسط غياب إرادة حقيقية من لدن المسؤولين في تنمية المنطقة”.
تعليقات الزوار ( 0 )