أعلنت شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية العملاقة للصناعات الدفاعية عن توقيع اتفاقية هامة مع المملكة المغربية، تهم تزويدها بطائرات مقاتلة من طراز F-16، وأنظمة دفاع جوي متقدمة من نوع باتريوت، بالإضافة إلى رادارات وتقنيات دفاعية مضادة للصواريخ.
وجاء هذا الإعلان عقب زيارة وُصفت بـ”الاستراتيجية” لوفد رفيع من الشركة الأمريكية إلى عدد من المراكز الصناعية المغربية، بدعوة من الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات (AMDIE).
وقد ترأس الوفد الأمريكي تيم كاهيل، رئيس قسم الصواريخ والتحكم في النيران بالشركة، إلى جانب جوزيف رانك، المدير التنفيذي لـ”لوكهيد مارتن” في إفريقيا والسعودية.
ولم تقتصر الزيارة على الجانب السياسي أو التقني، بل شملت أيضا تقييمًا ميدانيًا لسلسلة الإمدادات المحلية، حيث قام الوفد بزيارة مؤسسات صناعية مغربية بارزة في الدار البيضاء، مثل TDM Maroc وSABCA Maroc وCollins Aerospace RFM وExellia Maroc، في إشارة واضحة إلى التوجه نحو تعزيز التصنيع المحلي ونقل التكنولوجيا.
وأكدت الشركة الأمريكية، في بيان رسمي، دعمها الكامل لرؤية المغرب في تطوير قاعدة صناعية دفاعية وطنية مستقلة، تماشياً مع مقتضيات القانون المغربي رقم 10-20 المتعلق بالمعدات والذخائر والأسلحة الدفاعية.
وأشارت إلى التزامها بـ”دمج الموردين المغاربة في سلسلتها العالمية، ودعم المحتوى المحلي، وتعزيز القدرات الصناعية الدفاعية داخل المملكة”.
هذا التعاون الدفاعي ليس وليد اليوم، بل يُعد امتدادًا لعلاقات عسكرية وسياسية متينة بين المغرب والولايات المتحدة، تعززت بشكل ملحوظ بعد اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء في ديسمبر 2020، وهو ما اعتبرته الرباط لحظة مفصلية في مسار تثبيت سيادتها على أقاليمها الجنوبية.
ويأتي الاتفاق في سياق إقليمي ودولي معقد، حيث تتصاعد التوترات في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، وتستمر الجزائر في اتخاذ موقف متحفظ تجاه الشراكة المغربية الأمريكية، خاصة في ظل الخلاف القائم حول الصحراء.
كما تتنامى التهديدات الإرهابية وتتحرك شبكات التهريب على أطراف الحدود، وهو ما يجعل المغرب شريكًا لا غنى عنه في أمن المنطقة.
ومن بين أبرز مظاهر التعاون العسكري المتقدم بين الرباط وواشنطن، يبرز تمرين “الأسد الإفريقي”، الذي يُنظم سنويًا بمشاركة قوات من المغرب والولايات المتحدة ودول إفريقية أخرى.
وتعد مناورات هذا العام، التي احتضنتها قواعد جنوب أكادير وطنطان، شاهدًا على المستوى العالي للتنسيق، حيث شاركت فيها طائرات F-16 مغربية وأمريكية، في محاكاة عملياتية متعددة الجنسيات.
ولا تخفي الرباط طموحها في أن تتحول إلى فاعل صناعي دفاعي محوري في المنطقة. فبعد توقيع اتفاقيات استراتيجية مع شركات أمريكية وإسرائيلية وفرنسية، بات المغرب يخطو بثبات نحو امتلاك قدرات إنتاجية وتكنولوجية محلية، تُعزز استقلاله الاستراتيجي وتفتح آفاق التصدير نحو أسواق إفريقية وعربية.
ويُنتظر أن تُعزز هذه الصفقة، التي تعد من الأضخم في تاريخ التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة، قدرات القوات المسلحة الملكية، وتُمكن المملكة من مواجهة التحديات الأمنية المتنامية في جوارها الإقليمي، سواء من جهة الساحل، أو البحر الأبيض المتوسط، أو حتى من الجنوب الصحراوي.
ويُظهر الاتفاق الجديد أن المغرب لم يعد يكتفي بدور المستهلك للتكنولوجيا العسكرية، بل يسعى بقوة ليكون شريكا منتجا ومبتكرا في المنظومة الدفاعية الدولية.
فبين توسيع التحالفات، وتوطين الصناعات، وحماية السيادة، يبدو أن المملكة دخلت مرحلة جديدة في علاقتها بالعالم، عنوانها: القوة الذكية والاستقلال الاستراتيجي.
تعليقات الزوار ( 0 )