كشفت صحيفة “ساحل إنتليجنس” في تقرير تحليلي صدر يوم الإثنين 5 ماي 2025، عن خريطة معقدة من النفوذ الإيراني في إفريقيا والشرق الأوسط، مبنية على تحالفات أيديولوجية ومذهبية واستراتيجية مع مجموعات مسلحة تنشط في مناطق التوتر والصراع، أبرزها الساحل الإفريقي، العراق، اليمن، سوريا، وقطاع غزة.
وضمن هذه الخريطة، يبرز الاستعمال الإيراني لجبهة البوليساريو كأداة جيوسياسية في شمال إفريقيا، ما يضع المغرب مباشرة ضمن أهداف ما يسمى بـ”الجيو-إرهاب” الإيراني.
طهران والبوليساريو: محور تهديد للأمن المغربي
وبحسب الصحيفة الفرنسية المتخصصة في القضايا الأمنية، فإن إيران، بدعم من “حزب الله” اللبناني و”حماس” الفلسطينية، تقدم دعما عسكريا وتقنيا مباشرا لجبهة البوليساريو، انطلاقًا من قواعد سرية على التراب الجزائري.
ويشمل هذا الدعم، وفق تقارير استخباراتية أمريكية وإسرائيلية، تزويد الجبهة بالسلاح، وتدريب عناصرها، وتقديم استشارات عسكرية استراتيجية، مما يشكل تحولًا خطيرًا في التوازنات الأمنية بالمنطقة المغاربية.
ورغم النفي المتكرر من الجزائر وإيران لأي علاقة مباشرة، فإن هذه المعطيات تعزز مخاوف الرباط من تحوّل النزاع حول الصحراء المغربية إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوستراتيجية بين طهران والعواصم الغربية، وهو ما دفع المغرب في مناسبات سابقة إلى قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران، كما حدث سنة 2018.
الساحل الإفريقي.. تلاقٍ تكتيكي مع الجماعات الجهادية
ويشير التقرير أيضًا إلى وجود علاقات غير مباشرة، وفي بعض الأحيان “انتهازية”، بين إيران وبعض الفصائل الجهادية الناشطة في منطقة الساحل، خصوصًا في شمال مالي وجنوب الجزائر.
وتُفهم هذه العلاقات في إطار استراتيجية إيرانية أوسع لتقويض النفوذ الغربي في القارة الإفريقية، لا سيما النفوذ الفرنسي والأمريكي، وتوسيع مناطق النفوذ الشيعي على حساب التوازنات السنية التقليدية.
محور المقاومة: من غزة إلى صنعاء
أما في الشرق الأوسط، فتبدو الأذرع الإيرانية أكثر وضوحًا وعلنية: دعم غير مشروط لـ”حزب الله” في لبنان، وتحالف استراتيجي مع “حماس” في غزة رغم الخلافات المذهبية، بالإضافة إلى تمويل وتسليح الحوثيين في اليمن في حرب مفتوحة مع المملكة العربية السعودية، ومساندة الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
وهذه السياسة، التي يصطلح عليها بعض الباحثين بـ”الإمبراطورية غير المعلنة”، جعلت من إيران لاعبًا رئيسيًا في تأجيج الأزمات بدل حلها.
قراءة مغربية: تهديد مباشر للأمن القومي
ويرى مراقبون مغاربة أن التمدد الإيراني في إفريقيا، خصوصًا من بوابة البوليساريو، يندرج ضمن تهديدات جدية للأمن القومي المغربي، خاصة مع تزايد التعاون العسكري بين إيران وحلفائها في منطقة الساحل والجزائر.
وهو ما يفرض على الرباط تقوية علاقاتها مع شركائها الاستراتيجيين، وتكثيف المراقبة الأمنية في المناطق الجنوبية، والتصدي لمحاولات اختراق المجال الإفريقي من قبل أطراف معادية.
خلاصة: “الجيو-إرهاب” الإيراني.. لعبة معقدة بنتائج دامية
ويخلص تقرير “ساحل إنتليجنس” إلى أن إيران لا تمارس فقط سياسة خارجية تقليدية، بل تخوض حربًا غير متكافئة عبر وكلاء ومجموعات مسلحة.
وتهدف هذه الحرب التي تدور على مساحات واسعة، من العراق إلى النيجر، مرورا بالجزائر، إلى تعزيز نفوذ طهران الإقليمي، وتُبقي المنطقة في حالة توتر دائم يخدم مصالحها.
وفي ظل هذه المعطيات، يجد المغرب نفسه في موقع حساس يتطلب حذرًا دبلوماسيًا ويقظة أمنية مستمرة، كما يستدعي تعاونًا أوثق مع الشركاء الدوليين، لمواجهة استراتيجية توسعية تستغل القضايا العالقة والصراعات المزمنة لتأمين موطئ قدم في إفريقيا.
تعليقات الزوار ( 0 )