في تطور دراماتيكي يعكس تصعيدًا غير مسبوق في المواجهة بين إسرائيل وإيران، تواصل تل أبيب تنفيذ استراتيجية ممنهجة تستهدف تصفية القادة العسكريين الكبار، في تكرار لأسلوب استخدمته سابقًا ضد حزب الله اللبناني وحركة حماس. لكن هذه المرة، يبدو أن الدولة العبرية تخوض غمار مجازفة قد تقلب موازين الصراع في الشرق الأوسط.
فمنذ أسابيع، شهدت إيران سلسلة من الضربات الجوية الدقيقة، أودت بحياة كبار قادتها العسكريين، من رؤساء وحدات الطائرات المسيّرة والصواريخ، إلى قائد قوات النخبة في الحرس الثوري ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية.
وتحمل هذه العمليات توقيعًا واضحًا لنهج “قطع الرأس” الذي استخدمته إسرائيل بفعالية في غاراتها السابقة على حزب الله في لبنان.
من بيروت إلى طهران: نفس السيناريو، خصم مختلف
وتشير المعطيات إلى أن إسرائيل تحاول تطبيق نفس “الكتاب العملياتي” الذي اتبعته ضد حزب الله في خريف 2024، حينما نجحت في شلّ قيادته الميدانية وتدمير قدراته العسكرية النوعية. لكن إيران ليست مجرد نسخة موسعة من حزب الله.
فالجمهورية الإسلامية تملك واحدة من أكبر الجيوش في العالم، ويزيد عدد قواتها النظامية وشبه النظامية عن مليون فرد، فضلًا عن ترسانة صاروخية باليستية متقدمة.
وبحسب تقارير استخباراتية نُقلت عبر The New York Times، فإن الهجمات الإسرائيلية شملت منشآت عسكرية استراتيجية في طهران، وألحقت أضرارًا كبيرة بقدرة إيران على الرد الصاروخي، رغم تمكنها من إطلاق عدد من الصواريخ نحو تل أبيب ومناطق أخرى داخل العمق الإسرائيلي.
اغتيالات دقيقة.. وتكتيك لا يستثني أحدًا
مصادر إسرائيلية أكدت للصحافة الأمريكية أن الهجمات لم تقتصر على إيران وحدها، بل طالت أيضًا اجتماعات لقيادات الحوثيين في اليمن، في ما يبدو محاولة لتجفيف منابع النفوذ الإيراني في المنطقة.
وتشير هذه العمليات إلى استخدام معلومات استخباراتية دقيقة، واختراقات بشرية عميقة داخل بنية تلك التنظيمات.
اللافت أن إسرائيل لم تستهدف القيادة السياسية الإيرانية، إذ نفى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي نية بلاده استهداف المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي قيل إنه نُقل إلى موقع سري لتنسيق الرد العسكري.
ردود خافتة من المحور الإيراني: تهديدات لفظية بلا تحرك فعلي
ورغم الضربات المتتالية، لم تصدر أي ردود فعل عسكرية حاسمة من حلفاء إيران التقليديين: لا من حزب الله، ولا من الحوثيين، ولا من الميليشيات العراقية.
واكتفى هؤلاء بإصدار بيانات تنديد، ما يعكس إرباكًا وتراجعًا في قدرة المحور على الرد الجماعي، بعد أن أصبح يعاني من فراغات قيادية كبيرة.
ويرى خبراء أن “الفراغ الكاريزمي” الناتج عن اغتيال قادة من طراز حسن نصر الله في لبنان أو قاسم سليماني سابقًا، يجعل من الصعب على هذه التنظيمات إعادة بناء نفسها بسرعة.
المخاطرة الإسرائيلية: نصر تكتيكي أم شرارة لحرب إقليمية؟
ويقول المحلل السياسي الكويتي بدر السيف: “ما قد ينجح مع حماس أو الحوثيين لا يمكن ضمان نتائجه مع إيران. إنها خصم مختلف تمامًا، بحجم وقدرات وتأثير إقليمي هائل. أي انزلاق قد يقود إلى حرب شاملة في المنطقة”.
في المقابل، تراهن إسرائيل على أن تقليص عدد القادة المحوريين في الحرس الثوري سيضعف منسوب الردع الإيراني ويؤخر أي خطط هجومية مستقبلية.
معركة العقول قبل السلاح
وما يجري بين إسرائيل وإيران لم يعد مجرد صراع حدود أو تصفية حسابات بالوكالة، بل مواجهة مباشرة ومعقدة تُدار بأدوات استخباراتية، وضربات عالية الدقة، ورهانات استراتيجية كبرى.
وبينما يحتدم الصراع في الظل، تظل المنطقة برمّتها على صفيح ساخن، في انتظار من سيرتكب الخطأ التالي… أو يطلق الرصاصة الأولى في حرب لا يريدها أحد، لكنها تقترب أكثر من أي وقت مضى.
تعليقات الزوار ( 0 )