قبل سبع سنوات، ومع الإفراج عن شيوخ السلفية وبدء الحديث عن الاندماج السياسي للسلفيين، كتبت عن تحديات الاندماج السلفي، وبالتحديد عن تحدي التأطير، وهل ينجح الشيوخ في جر الأتباع إلى مربع الاعتدال أو الاندماج.
خرج ما يسمى بشيوخ «السلفية الجهادية» من السجن، واستبدت ببعضهم الرغبة في المشاركة السياسية، وبدأت تظهر محاذير هذه الخطوة من قبل السلطة والفاعلين السياسيين، وبدا الهاجس الأكبر هو اقترابهم من «العدالة والتنمية»، وكان التقدير أن مثل هذه الخطوة ستزيد من شعبية هذا الحزب وستحوله إلى رقم انتخابي صعب، لا سيما والانتخابات الجماعية والتشريعية على الأبواب.
لننتبه هنا إلى أربعة معطيات تبرز الحدود المسموح بها في عملية الإدماج، أولها اللسعة القوية التي تلقاها الشيخ المغراوي بعدما عثر في متن حديثه عن قضية تصلح لصرفه عن الاقتراب من العدالة والتنمية (تزويج الصغيرات)، وهو الذي أبدى تعاطفا مع تجربة الحزب بعد الربيع العربي، وثانيها، التردد الذي طبع تصريحات الشيخ الفزازي، فبعد مغازلته «العدالة والتنمية» لأكثر من مرة في خطاباته، لمس الجميع نكوصه عن هذا الخيار، وتذبذب موقفه في موضوع المشاركة السياسية، أما الثالث، فظهر من اختيار أبي حفص، الذي كان يعتقد الجميع أن البيت الطبيعي الذي سيلجأ إليه بعد مراجعاته، هو العدالة والتنمية، فاضطر إلى أن يركب سفينة «النهضة والفضيلة»، ثم تحول إلى حزب «الاستقلال» قبل أن يجد نفسه كاتبا في جريدة إلياس العماري، والرابع، هو الموقف الذي وُوجه به ترشيح الشيخ حماد القباج في قائمة العدالة والتنمية، وكيف انتهى به الأمر إلى إبعاده عن الترشيح. نسوق هذه المعطيات، حتى نبين أن التعامل مع التيارات السلفية كان يجري، كما لو كانت عبارة عن قوارير مليئة، يوجد على رأس كل واحدة منها غطاء محكم الإقفال، ليس إلا الشيخ الذي يقود التيار السلفي، وأنه في الحالة الذي يتم فيها الاستفراد بهذا الغطاء، بفتح قناة التعامل معه، ينسكب الماء المخزن ويذوب في الرمال، أو يبقى ملتصقا بالغطاء، أي الشيخ، في كل تحولاته، حتى ولو كانت تخالف الأفكار التي تمت التنشئة على أساسها.
لا أريد أن أذكر شيئا من مسار الشيخين الفزازي وأبي حفص، فليس من عادتي الشماتة في الأشخاص، لكن واقع الأمر يؤكد أنهما لم يعودا سلفيين، أو على الأقل، لم يعد أحد يصنفهما بهذا التصنيف، ولم يعد لهما أتباع، كما أن الشيخ المغراوي، الذي كان يجر وراءه كتلة سلفية واسعة، لم يعد يملك هذه التركة، ولم يعد أحد يذكره بالتوصيفات التي كانت تتحلى بها شخصيته في الأوساط السلفية.
لا يهمني مسار هؤلاء، وما انتهوا إليه، لكن السؤال الذي أبتدره للنقاش، هو أين ذهب أتباع هؤلاء؟ هل تبخروا؟ أم تحولت مواقعهم الفكرية والدينية على شاكلة ما وقع للشيخ أبي حفص؟ أم جرتهم تيارات جهادية إقليمية؟ أم إنهم حولوا وجهتهم من سلفية شيخ إلى سلفية آخر؟ وإذا كان الأمر، كذلك، فمن ورث كل هؤلاء الأتباع؟ وما الجاذبية التي دفعتهم إليه؟
سنكون متعسفين إن نحن وضعنا الشيخ حسن الكتاني في نفس خانة الفزازي وأبي حفص، فالرجل كان واضحا منذ البداية، واختار أن يبقى على مسافة من تجربة الاندماج السياسي، وبقيت علاقته كما كانت مع تيارات الحركة الإسلامية، وبقي بنفس درجة تأثيره في وسطه السلفي المحدود الحجم، لكن في المقابل، ينبغي أن نؤكد بأن التركة الكبرى للشيخ المغراوي، آلت إلى الشيخ حماد القباج، والمنهج الذي أسسه، والذي للأسف لم تجر دراسات كافية لبحث معالمه وقسماته.
لا أعرف بالتحديد أين ذهب أتباع الشيوخ وكنموذج على ذلك الفزازي وأبي حفص ولا غيرهم. إذ لحد الآن، لا تقدم المعطيات الأمنية أي تفاصيل عن العلاقة المفترضة بين الخلايا التي جرى تفكيكها وبين العلاقات السابقة للمشتبه بهم بالتيارات السلفية التي قادها هؤلاء الشيوخ.
سيكون من الخطورة بمكان أن نكون قد استثمرنا في سياسة لإدماج الشيوخ أو احتوائهم، دون أن تكون لنا ضمانات كافية عن قدرة هذه السياسة على تأمين إدماج الأتباع واحتوائهم، ولا معرفة استشرافية بمآل هؤلاء، وإلى أين يمكن أن يتوجهوا.
لن أسابق القول بفشل سياسة إدماج السلفيين، لكن في الوقت ذاته، ثمة محاذير لا بد من الإقرار بخطورتها، فالقدرة على التحكم في أشخاص وتوجيههم أو حتى حرف توجهاتهم من مرجعية لأخرى، لا يعطي أي ضمانة على حل المشكلة، بل بالعكس، قد يعطي إشارات إلى تعقدها، وربما خروجها عن الرؤية التي كانت تحكم تدبير هذا الملف.
تعليقات الزوار ( 0 )