بالتزامن مع دعوة 1000 مثقف وفنان إسرائيلي بريطانيا وألمانيا لعدم استقبال رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، بسبب “الانقلاب الدستوري”، ينتقد أكاديمي بارز في جامعة تل أبيب صمتَ الدول الغربية على ما تشهده إسرائيل، رغم مخاطر تبعاته على المنطقة والعالم.
يعتبر عيران ياشيف، وهو محاضر أكاديمي بارز في جامعة تل أبيب، أن إسرائيل ضعيفة اقتصادياً وغير ديمقراطية، وستتحول إلى دولة عدوانية داخلياً وخارجياً، كنتيجة مباشرة للانقلاب القضائي، مرجحاً نشوء واقع جديد في الشرق الأوسط.
ويقول ياشيف، في مقال نشره موقع القناة العبرية 12، إن هذا الواقع سيتميز بعدة أمور، منها أن إسرائيل ستكون ضعيفة، لكنها عدوانية، وستكون في توازُن رعب أمام إيران نووية. وعن ذلك يضيف: “الآن، هناك حوارات بشأن التشريعات التي تتعلق بالنظام القضائي، ويمكن لهذا السيناريو أن يتغير، ولكن من المهم جداً فهمه في سياق هذه الحوارات”.
ويرى ياشيف أن هذه الديناميكية ممكنة لتطوُّر السيناريو المذكور أعلاه: “يؤدي الانقلاب القضائي، حتى لو كان بصيغة مخففة، إلى أضرار اقتصادية، وهجرة فئات قوية اقتصادياً”. منوهاً أن هذه الأضرار “ستتفاقم بسبب إضعاف القضاء، وهو ما يؤدي إلى هروب المزيد من المستثمرين، ويتم تحويل جزء كبير من الميزانيات إلى فئات غير منتجة، وبالتالي ستنمو سوق غير قانونية، وحتى جنائية، تؤدي بدورها إلى مزيد من الفساد الحكومي”.
ويقول إن هذه الظروف ستدفع بمزيد من الفئات القوية اقتصادياً، وضمنها التكنولوجيا العالية الدقة، إلى ترك البلاد وأخذ مساهمتها المهمة في الناتج والمجتمع والضرائب معها.
وتأتي عملية قرع الجرس هذه من قبل ياشيف، على غرار مراقبين إسرائيليين كثر يتوقعون ذات السيناريو، تزامناً مع زيارة مرتقبة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اليوم إلى برلين، سبقتها زيارة إلى روما، وتليها زيارة للندن بعد أسبوع.
والأهداف المعلنة لزيارة برلين، حسب مكتب نتنياهو، محاولة إبرام صفقة أمنية، وتجنيد ألمانيا لموقف أكثر صرامة ضد إيران، لكن يبدو أن الزيارة مرتبطة بالحريق الداخلي في إسرائيل، حيث يسعى نتنياهو بمثل هذه الزيارات لتشكيل صورة مفادها أن الأمور تسير بشكل طبيعي، والتأثير على وعي الإسرائيليين وتحسين مكانته في ظل انتقادات واسعة يتعرض لها ووزراؤه، حتى من قبل أوساط في اليمين.
قطاع التكنولوجيا
ويمضي الأكاديمي الإسرائيلي في تحذيراته بالقول إنه من المهم التشديد على أن إسرائيل تتميز بسوق متعددة جداً، وغير موحدة، فيها فئات قوية جداً وضعيفة جداً. ويقول إن قاطرة النمو الأبرز هي قطاع التكنولوجيا العالية الدقة، والذي يساهم في ربع الضرائب لخزينة الدولة.
من هنا يستنتج أن التكنولوجيا العالية الدقة هي مساهم مهم جداً للفئات المهمة وتركها البلاد، ولو جزئياً، سينقل السوق إلى مرحلة جديدة، ويقول إنه لا يريد هنا الدخول في تفاصيل الانهيار الاقتصادي الذي بدأ، وإنه وزملاءه وصفوا هذا المسار كثيراً خلال الأسابيع الماضية.
لكن ياشيف يؤكد أن هذه التغييرات القضائية ستحول إسرائيل إلى دولة ضعيفة اقتصادياً، منبهاً أن الدول الضعيفة تميل إلى العدوانية، خصوصاً أن قياداتها تعلن وجود أعداء داخليين وخارجيين، بهدف رصّ الصفوف داخل الشعب خلفها، وتحميل الأعداء الداخليين والخارجيين مسؤولية ضعفها وفشل قياداتها. ويرى أن هذه طريقة عمل معروفة لدى الحكومات الشعبوية والقومية.
ويتابع: “هناك نماذج كثيرة من ذلك، وبصورة خاصة في جنوب أمريكا، وروسيا، ودول أفريقيا. تشير نتائج أبحاث على عيّنة من 200 دولة تقريباً إلى أنه توجد علاقة إيجابية ما بين ضعف الدولة وقيامها بمنح غطاء للإرهاب، وتدخّلها في نزاعات عسكرية”.
الدول الضعيفة
وللتدليل على رؤيته يشير ياشيف إلى مؤشر “الدول الضعيفة” الذي نشرته مجلة السياسة الخارجية “فورين بوليسي”، ويقول إنه على رأس قائمة المؤشر، الذي يضم 179 دولة، توجد اليمن والصومال وسوريا. أما إسرائيل فموجودة الآن في المرتبة 146، كدولة مستقرة، ولكن إذا تحقق السيناريو، فإنها ستصعد سريعاً على سلّم الضعف.
ويضيف: “أمثلة لذلك من الأعوام العشرة الأخيرة: هنغاريا صعدت بسرعة مشابهة من الدرجة 141 إلى الدرجة 133. تركيا صعدت من الترتيب 91 إلى 57 خلال 14 عاماً. المشترك بين هذه الدول في الفترات الماضية، هو أنها تحولت من وضعية دول ديمقراطية إلى دول مع نظام ديكتاتوري صلب يحكمه قائد واحد قوي شعبوي، يقمع حقوق الأقليات”.
العدو الداخلي
وضمن قراءته المستقبلية يقول ياشيف إن العدو الداخلي الأول الذي سيتم الهجوم عليه لدينا هم العرب في إسرائيل، لافتاً أنه بحسب التاريخ المتراكم، يمكن توقُّع استمرار الهجوم على النواب العرب والبلدات العربية، بالإضافة إلى قوانين تضيّق عليهم، كقانون القومية وخطوات أكثر حدة، كتقليص حق التصويت للكنيست، بذرائع مختلفة.
أما العدو الخارجي برأيه فسيستمر بكونه إيران أساساً. ويتابع: “إذا تحولت إسرائيل إلى ضعيفة اقتصادياً، وعدوانية في الوقت نفسه، فإنها ستدفع بإيران إلى تخطّي مكانة دولة عتبة نووية.
فعملياً، لن يكون لديها أيّ بديل. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لن يتم منح إسرائيل، الضعيفة وغير الديمقراطية، الضوء الأخضر من الولايات المتحدة للهجوم على إيران، وحتى ليس لضربة استباقية. عملياً، ستتحول إسرائيل إلى حِمل إستراتيجي ومشكلة إستراتيجية للغرب. وستكون النتيجة توازُن رعب في الشرق الأوسط، بكل ما يتضمنه من مخاطر”.
دولة شريعة
وفي المقابل، يقول الأكاديمي الإسرائيلي إن هناك في إسرائيل مساراً طويل الأمد، تتعزز فيه قوة فئات تريد تحويل إسرائيل إلى دولة شريعة: الفئة الأولى هي الحريديم (اليهود المتشددون دينياً، أو الأورثوذوكس ممن يشكلون 12% من مجمل السكان في إسرائيل). الفئة الثانية هي المتدينون القوميون، ولديها حجم مشابه بتقديرات محافظة.
تمثيل الفئتين المباشر في الكنيست الآن 32 عضواً، وهو ما يعكس نسبة 25% من المجتمع الذي صوّت للأحزاب الثلاثة ذات الصلة. ومن هنا يستنتج ياشيف للقول إنه “من المتوقع أن يزداد حجمهما الديموغرافي.
يكفي النظر إلى معطيات التصويت في القدس، المدينة التي تتنبأ بالمسارات الطويلة المدى في إسرائيل، لفهم كيف سيكون المستقبل غير البعيد: أحزاب حصلت على 56% من أصوات الناخبين في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2022″.
ويرى أن إسرائيل ستكون أشبه بإيران، دولة لديها موارد طبيعية وبشرية كثيرة، تحولت إلى ديكتاتورية في سنة 1979: إيران لم تتحرر من نظام غير ديمقراطي أو ديني منذ 44 عاماً، جزء كبير من المواطنين النوعيين غادروها، اقتصادها أصبح أضعف أكثر بكثير من القوة الكامنة لديها، وتشغلها الحروب والإرهاب. إيران موجودة في الترتيب الـ 39 بين الدول الضعيفة”.
ويخلص الأكاديمي للقول في خلاصة تحليله: “هذا السيناريو سيتحول إلى حقيقي إن لم تحدث تغييرات جدية في المسارات السريعة التي تقوم بها الحكومة لتحويل إسرائيل إلى دولة غير ديمقراطية، بما معناه دولة من دون توازنات بين السلطات الثلاث.
إن التخوف من هذه التطورات لن يبقى همّ المواطنين الإسرائيليين فقط، يمكن الاعتقاد أن قيادات الدول الغربية ستعبّر أيضاً عن هذه المخاطر، ويمكن أن يكون رأيها مؤثراً في مرحلة ما. حالياً، لا توجد أيّ إشارة إلى نشاط من طرفها. ونحن مستمرون في طريقنا نحو الكارثة”.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )