شارك المقال
  • تم النسخ

أصحاب البذلة السوداء؛ حركة احتجاجية بصبغة قانونية

من منطلق تحليل الحركات الاحتجاجية في المغرب تحليلا علميا، ليس باعتبارها ردات فعل جماعية على أوضاع سياسية واجتماعية معينة وبطرائق غير عنيفة فحسب، وإنما بوصفها ظاهرة سوسيوسياسية تعبر عن يقظة شعبية ومجتمعية، تكرس الحق في التعبير عن الرفض والاختلاف، وبلورة مواقف تجاه قضايا مختلفة، وممارسة الضغط السلمي على السلطة في إطار المشروعية السلمية و العقلانية.

وفي هذا الصدد كمدخل لما نورده من مقام المقال ولما عرفته الأيام الأخيرة من شهر دجنبر 2021، ونحن نعد العدة لاستقبال سنة جديدة، حيث تميزت بظهور حركة احتجاجية قديمة جديدة تمثلت في نضالات جمعية هيئات المحامين بالمغرب، وكذا فيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب، التي انتفضت على القرارات الأخيرة لوزير العدل لليوم العاشر على التوالي.

حيث أثار تنفيذ قرار إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح لولوج محاكم المملكة، غضب المحامين وموظفي قطاع العدل في اليوم الأول من تطبيقه، في حد لحريتهم. وفي هذا السياق يتم استحضار ما قاله مونتيسكيو في كتابه روح القوانين
“أن الحرية سوف تنهار وتزول إذا هيمنت سلطة واحدة على جميع السلطات الأخرى في الدولة”.

وعرفت مختلف محاكم المملكة، وقفات رافضة لهذا القرار، ما دفع إلى تأجيل انعقاد العديد من جلسات الحكم. وأكدت هذه الأخيرة على أن الحق في الولوج للعدالة وحق التقاضي حقوق ـصيلة ودستورية وكل المواثيق والعهود الدولية نصت على ذلك، ولا يمكن انتهاك هذا الحق أو حرمان المواطن من ممارسته بواسطة منشور لأي جهة كيفما كان مركزها، ففرض جواز التلقيح للولوج للعدالة وللمحاكم شطط في استعمال السلطة، وخرق سافر لحقوق الإنسان وتحقير للدستور كما جاء على لسان العديد من المحاميات والمحامين، وقد لوحظ جليا “الهاشتاك” الوسم المتداول في العديد من منصات التواصل الإجتماعي: “لا_لفرض_جواز_التلقيح_بالحاكم”.

هي إذا رسالة لمن يهمه الأمر تتضمن مجموعة من الرسائل الرافضة لمثل هكذا قرارات، إذ ترى في هاته الأخيرة أنها تعسفية ومخالفة لحقوق الإنسان في كونيتها، وعلى إثرها اجتمع عدد كبير من المحامين في اليوم الخامس من انطلاق الحركة الاحتجاجية من كل أنحاء المغرب في ساحة الشرف النضالية أمام محكمة النقض، في أول وقفة من نوعها في تاريخ النضال المهني بعدما عرفت جل المدن المغربية وقفات متفرقة للمحامين أمام المحاكم.

رافعة صور الفقيدين الأساتذة سعيد شتاتو وأمين آيت حامد، وفاء لروحمها الطاهرتين، وعلى سبيل التذكير فالمحاميين أمين وسعيد توفيا على إثر حادثة سير في نفق كيش الأوداية قرب منطقة ولاد مطاع بتمارة بالقرب من مدينة الرباط صباح يومه الخميس 23 دجنبر، وهما بصدد السفر من أجل وقفة احتجاجية رافضة للمنع الصادر عن الدورية الثلاثية للسلط التنفيدية، والقضائية، من ولوج المحاميات والمحامين إلى محاكم المملكة بعلة جواز التلقيح في انتهاك لرسالة الدفاع.

في ظل كل هذه التطورات على المستوى الوطني ومع ظهور حالات من المتحور الجديد أوميكرون الذي حل ببلادنا وتسجيل ارتفاع حالات الإصابة به نظرا لانتشاره بسرعة كبيرة. هل يمكننا الحديث على أنه تم اختيار توقيت مناسب وجيد للمعركة النضالية؟ مع العلم أن آخر بلاغ لجمعية هيئات المحامين بالمغرب الصادر بتاريخ 25 دجنبر، أعلن فيه عن الاستعداد لخوض جميع الأشكال النضالية وفق برنامج مسطر دفاعا عن مواقفه المعبر عنها، ودعوة جميع المحاميات والمحامين إلى الانخراط فيها بكل وعي و مسؤولية.

أم أن الحركة الاحتجاجية لأصحاب البذلة السوداء بمفهومها الدلالي والواسع وضعت داخل وخارج المحاكم، المحامين في وضع حرج لا يحسدون عليه. تبقى هذه كلها تساؤلات ستجيب عليها المحطات القادمة من الأيام ولا أعتقد أنها ستخرج على النطاق القانوني والعقلاني في إطار طرح حوارات ترضي الجميع.

كاتب رأي وباحث في العلوم السياسية

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي