كشفت تقارير صحفية إسبانية حديثة عن أزمة خانقة يعيشها الاقتصاد المحلي لمدينة مليلية، بعد أن أقدم المغرب، منذ سنوات، على إغلاق المعبر الجمركي بشكل أحادي الجانب، ما أدى إلى انهيار شبه كامل لأنشطة تجارية كانت تشكل العمود الفقري لحوالي 60% من الاقتصاد الخاص للمدينة المحتلة.
ورغم محاولات مدريد التخفيف من تداعيات الوضع، إلا أن مليلية أصبحت اليوم تعاني من ما يُشبه العزلة الاقتصادية، في ظل مطالب متصاعدة بإيجاد حل جذري يعيد لها ديناميتها المفقودة.
ومن منظور مغربي، يمثل إغلاق المعبر الجمركي مع مليلية خطوة سيادية تهدف إلى إعادة تنظيم التجارة الحدودية، ووضع حدّ لاقتصاد ظل غير رسمي طالما استفاد منه تجار إسبان ومهربون من الجانبين، على حساب الاقتصاد الوطني والعدالة التجارية.
فقد ظلت مليلية تعتمد لعقود على تجارة التهريب المعيشي و”الاقتصاد الرمادي” الذي سمح لها بأن تتحول إلى مركز توزيع غير رسمي لسلع أجنبية داخل التراب المغربي.
لكن من الجانب الآخر، تُبرز الأرقام القادمة من الصحافة الإسبانية عمق الأزمة التي سبّبها هذا القرار بالنسبة لمليلية: مئات المحلات أغلقت أبوابها، تراجُع ملحوظ في النشاط التجاري، وشعور عام داخل المدينة بـ”الخنق الاقتصادي”، لا سيما بعد توقف خط النقل البحري مع ألميريا، واضطراب حركة الطيران، ما زاد من عزلة المدينة عن شبه الجزيرة الإيبيرية.
وقرار المغرب لا يمكن فصله عن تحولات جذرية في استراتيجيته الحدودية، حيث يسعى إلى ترسيخ سيادته على حدوده، وإنهاء ما يعتبره “إرثاً استعمارياً اقتصادياً” في علاقته بمليلية وسبتة.
فالمملكة تعمل على تطوير أقطاب اقتصادية جديدة، مثل المنطقة الحرة بمدينة الناظور، وميناء الناظور غرب المتوسط، في محاولة لخلق بدائل تجارية وطنية على مستوى شمال المملكة، تستقطب رؤوس الأموال بعيداً عن الامتدادات الاقتصادية للمراكز الاستعمارية السابقة.
وهذا التحول لم يأتِ بدون ثمن بالنسبة لمليلية، التي وجدت نفسها خارج دائرة المبادلات التجارية الكبرى، وعاجزة عن إعادة هيكلة اقتصادها بسرعة، ما أدى إلى تزايد الاحتقان الاجتماعي، وارتفاع أصوات محلية تطالب مدريد بإنقاذ المدينة قبل فوات الأوان.
وفي السياق المغربي، يُنظر إلى الأمر باعتباره نجاحاً في فرض معادلة جديدة تُعيد التوازن في العلاقات مع إسبانيا، وتُنهي بشكل تدريجي وضعية استثنائية كانت تسمح بتهريب آلاف الأطنان من السلع سنوياً، دون أي مداخيل ضريبية أو رقابة جمركية فعلية للدولة المغربية.
ويبدو أن الرباط ماضية في هذا التوجه، من خلال تقوية الرقابة على المعابر الحدودية، وفرض ترخيصات استيراد صارمة، ومنع أي عمليات تهريب، حتى وإن كانت ترتدي عباءة “التبادل التجاري المحلي”.
وعلى الجانب الإسباني، تقابل الحكومة المركزية في مدريد هذه الأزمة بنوع من البرود، ما عمّق الإحساس في مليلية بأنها “منسية” أو مهمّشة مقارنة بباقي الجهات الإسبانية.
وقد عبّرت الصحافة المحلية عن غضب واضح من غياب الدعم المالي الكافي، وعدم إعلان خطوط النقل الحيوية مع مليلية كـ”خدمة عمومية ملزمة”، ما زاد من عزلة المدينة في لحظة حساسة.
ومع ذلك، تبدو الحكومة الإسبانية في موقع دقيق، إذ تسعى إلى الحفاظ على علاقات مستقرة مع المغرب، شريكها الأساسي في ملفات الهجرة والأمن والتجارة، في وقت تحاول فيه تجنّب أي تصعيد قد يعيد التوتر إلى العلاقات الثنائية التي شهدت تقلبات كبرى خلال السنوات الأخيرة.
وبين المقاربة المغربية القائمة على السيادة الاقتصادية ومحاربة التهريب، والإحساس المتزايد في مليلية بـ”الحصار الاقتصادي”، تطرح الأزمة الحالية أسئلة عميقة حول مستقبل المدينة المحتلة، ومدى استعداد مدريد للانخراط بجدية في إعادة تأهيل اقتصادها المحلي.
تعليقات الزوار ( 0 )