إن البحث العلمي يفترض النظر بالدرس والتفكيك والتحليل كل المواضيع مهما كانت معارضة لما نؤمن به ومختلفة عن قناعتنا الشخصية والفكرية والسياسية ويكون تبعا لذلك تناول كل الشخصيات التاريخية الفكرية الإشكالية ممكنا بل يكون مطلوبا وملحا، فلا يكون مثلا درس البوذية مدعاة للاتهام بالوثنية أو استعراض فلسفة نتشه أو شوبنهاور مدعاة للاتهام بالإلحادية أو دراسة الوهابية والتيمية والسلفية سببا كذلك للاتهام بالارهابية فناقل الكفر كما يقال ليس بكافر، لأن المفكر أثناء البحث يكون نقديا وليس دعويا أو اتباعيا وهو يحاول التفكيك والتساؤل وهدم النظريات السائدة الاستسلامية لإعادة بناء الافكار وطلب الحقائق.
لكنك عندما تحاول الغوص في هدم السائد والفكر النمطي تجد هناك بعض المثقفين يستحضرون خلفياتهم الثقافية والسياسية وعندما يكون موقفهم ضعيفا وحجتهم واهية وبضاعتهم الفكرية بضاعة مزجاة يتخلون عن التزام الموضوعية والحيادية والفكر النقدي المتحرر من كل الباراديغمات بمعنى النماذج والأنماط الفكرية.
وتتحكم فيهم خلفياتهم الأيديولوجية والعقائدية، ونفسياتهم المملوءة بالأنانية والكبرياء، وبدل طلب الحقيقة كيفما كانت مرة وحيثما كانت وأينما وجدت تجدهم عند اول نقاش حول مواضيع إشكالية خلافية ،وبدل البحث العلمي الرصين والرزين المعتمد على الشواهد والأدلة من المراجع والمصادر والحوار العقلاني المستند إلى المنطق والحجة والأدلة والبرهان، يلجأَون إلى البهلوانية والمراوغة َالمناورة فيبدأون في التلفيق والكذب دون معرفة متينة أو اعتماد على مراجع أو مصادر موثوقة ونظرا لفشلهم في إقناع المحاورين يبدؤون في كيل الاتهامات وإطلاقها على عواهنها في حق المخالفين في محاولة لحصرهم في الزاوية ووصفهم بأوصاف تحقيرية تصغيرية حتى يستطيعون إعلان انتصاراتهم الوهمية وترميم ذواتهَم الانانية وملأ آذانههم بتصفيقات أتباعهم وأشياعهم فيضيع الموضوع بين تزحام الخصوم و الانصار..
وتلك مصيبتنا نحن العرب، تأخدنا العزة بالنفس الأمارة بالسوء فننتصر لها ولا ننتصر للعقل والحق. ولأجل ذلك ظللنا طوال تاريخنا الثقافي والفكري المرير في حروبنا الجدالية نتطاحن فيما بيننا وبقينا في هذه الحلقة الفارغة كحمار الرحا ينطلق من مكانه ليعود إليه. وها نحن نجتر ألامنا وأحزاننا ونكرر ذواتنا ونتقاتل علي نفس الغنيمة في حين يمضي العقل الأوربي في التفكيك والبناء فهو بعد عصر الأنوار انتقل إلى الحداثة وبعد ذلك إلى ما بعد الحداثة متجاوزا المناهج تلو الأخرى يمضي في طريقه إلى الأمام عدته الموضوعية والحيادية والملاحظة التجريبية لا تتحكم فيه الأهواء والنوارع الذاتية ونحن بدلا من تقديس الفكر، تصبح القداسة مانعة للفكر.
تعليقات الزوار ( 0 )