تحتفظ فتيحة، السيدة الأربعينية، التي تمتهن منذ عقدٍ من الزمن، التهريب المعيشي بإقليم الناظور، بصيصٍ من الأملِ، في أن تعود الأمور لما قبل مارس الماضي، ويُفتح المعبر الحدودي مع مدينة سبتة المحتلة، في ظلّ التحسن الطفيف الذي تعرفه الوضعية الوبائية في البلاد، إلى جانب اقتراح شروع السلطات الصحية في حملة التلقيح الوطني.
وبالرغم من أن المغرب، يتجه إلى إنهاء التهريب المعيشي بشكل كاملٍ، نظراً لأن المستفيد الأكبر من استمراره هو السلطات الإسبانية، ومن أجل فرضٍ حصارٍ اقتصاديّ غير معلنٍ، على المدينتين المحتلتين، في أفق إجبار مدريد، على طرح مسألة المفاوضات على الطاولة، إلا أن فتيحة، غير آبهة بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع، وكلّ همّها، أن يُفتح أحد معابر مليلية.
وقالت فتيحة في حديثها لـ”بناصا”، “الآن كورونا بدأت تتراجع، ونتمنى من الدولة أن تفتح الحدود مع مليلية، لأننا لم نعد نملك أي مصدرٍ للرزق، وحتى المساعدات التي كانت تقدم لنا، انتهت في ماي الماضي وبقينا نكافح بين المهن المؤقتة علنا نجد قوت يومنا”، متابعةً كلامها الذي يشبه الأماني الذي تتمنى السيدة أن تتحقق: “التلقيح غادي يبدا ومبقاش شي سبب باش يبقاو الحدود مسدودين”.
وتتجه السلطات المغربية إلى مواصلة تشديد الخناقٍ على سبتة ومليلية، في إطار الحرب غير المعلنة بين الرباط ومدريد بخصوص الأراضي التي مازالت تحت السيادة الإسبانية، والتي ترغب المملكة في استعادتها من دون خوض أي حربٍ، وعلى راسها الثغرين الموجودين قرب الناظور وتطوان، وهو ما يجعل عودة التهريب لما كان عليه قبل سنوات، أمراً شبه مستحيل في ظل الوضع الراهن.
وحتى في ظلّ هذا الوضع، فإن عائشة، وهي سيدة أوشكت على بلوغ سنّ الخمسين، مقتنعة بأن الوضع يمكن أن يعود لما كان عليه قبل مارس، حين كانت السلطات تمنع التهريب المعيشي، غير أنها تتغاضى في كثيرٍ من الأحيان، إلى جانب أنه حتى في حال المنع، فإن المهربات، كنّ يقمن بتقسيم البضائع لتظهرن وكأنهن تبضعن من المدينة المحتلة فقط.
وتوضح عائشة في حديثها لـ”بناصا”: “منع التهريب المعيشي كان حاضرا منذ أكثر من سنة ونصف، وهذا لم يكن مانعاً أمامنا للتوقف عن الاشتغال، فقط كنا نستعمل أساليب أخرى، سواء عبر تقسيم البضائع أو ما شابه، ولكننا لم نتوقف، غير أن كورونا، تسببت في إغلاق الحدود بشكل كامل، أي التوقف النهائي عن العمل”.
وتتابع المتحدثة ذاتها التي حوّلت مهنتها مكرهةً إلى “فَرَّاشَة”، بأن “كلّ ما نتمناه هو أن تعود الأمور لما كانت عليه قبل مارس فقط، أي أن يكون التهريب ممنوعاً، ولكن مع بعض التسهيلات من طرف حرس الحدود بدرجة أولى، لأن هذا الأمر هو السبيل الوحيد لكي تتحسن أوضاعنا التي تحولت إلى ما يشبه الكابوس، وبتنا لا نجد مالاً لنشتري حتى أبسط لوازم الحياة”.
وتأمل فتيحة وعائشة، في أن يوازي منع التهريب المعيشي، تشييد السلطات المغربية لمنطقة صناعية تتوفر على معامل وشركات تخصص أغلب وظائفها للنساء بدرجة أولى، لأن الرجال يستطيعون، حسبهن، السفر إلى الكبرى للبحث عن عمل، عكس النساء، اللواتي يعانين الأمرين، لاسيما الأرامل منهن، أو أولئك اللواتي طلقهن أزواجهن.
ويطالب ممتهنو التهريب المعيشي، من السلطات المغربية، التسريع في إخراج المناطق الصناعية الكبرى في مدينتي الناظور وتطوان، إلى الوجود، وذلك من أجل تخفيف تداعيات إغلاق الحدود مع الثغرين المحتلين، وتوفير فرص شغل للرجال والنساء الذين عاشوا عبر تهريب السلع من سبتة ومليلية.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قد أوصى بالفعل، في تقرير سابق له، بضرورة “منح تحفيزات ضريبية وتمويلية، وتبسيط الإجراءات الإدارية أمام الشركات الوطنية، تشجيعاً لها على التوسع في المناطق المحاذية لسبتة ومليلية”، وذلك من أجل التمكن من تجاوز تداعيات منع التهريب المعيشي على المواطنين بالمنطقتين المذكورتين.
وعرفت العلاقات المغربية الإسبانية، توتراً خلال الفترة الأخيرة، بعدما قررت مدريد التواصل مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، من أجل التراجع عن القرار الذي اتخذه سلفه دونالذ ترامب، بخصوص الاعتراف بسيادة المملكة على الصحراء، وهو ما لم يرق الرباط، التي ردت بالتهديد برفع يدها عن المهاجرين وإعادة ملفّ الثغرين المحتلّين للواجهة من جديد.
تعليقات الزوار ( 0 )