شارك المقال
  • تم النسخ

“أبو النعيم”.. مرّ من الشبيبة الإسلامية ودافع عن القيم السلفية قبل أن يخطفه “كورونا”

رائحة الموت لا تغادر أنفي، وسأظل أصدح بالحق ولا أبالي حتى أذفن في قبري“.. كانت تلك آخر الكلمات التي قالها الراحل الشيخ السلفي المثير للجدل عبد الحميد أبو النعيم، في إحدى خرجاته الإعلامية، بعد خروجه من السجن إثر متابعته بشبهة “التحريض على العنف وترويج خطاب الكراهية”.

وتوفي أبو النعيم، بسبب مضاعفات فيروس “كورونا” المستجد، بمصحة خاصة بمدينة الدار البيضاء نقل إليها إثر إصابته بنزيف في الدماغ، وكانت حالة الشيخ قد تحسنت قبل ساعات من وفاته، ولكن ألمت به مضاعفات، أدت لوفاته.

وعبد الحميد أبو النعيم من مواليد الدار البيضاء (1956) رجل دين، اشتهر بدفاعه عن القيم السلفية، كما كان من أبرز من هاجموا التيارات العلمانية في المغرب، حوكم بتهمة إهانة بعض المؤسسات كوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وعمل مدرسا لمادة التربية الإسلامية بمنطقة درب السلطان حيث كان يقطن بها قبل وفاته، ويشهد له تلامذته وطلبته بالسمت الحسن والأخلاق العالية، ويُعدُّ شديد الاطلاع بتاريخ الحركة الإسلامية المغربية وتاريخ اليسار المغربي، وله في ذلك عدة فيديوهات منشورة على الإنترنت.

وعُزِلَ بصفة نهائية من مهامه بوزارة الأوقاف بعد أن ضاقت الوزارة ذرعا بما كان يصدح به على المنابر والكراسي الدعوية، فكان آخر عهد له في إلقاء الدروس بمسجده الوقفي بدرب الطلبة، وهو من طلبة الشيخ تقي الدين الهلالي ويعُدُّه قدوتَه بعد الشيخ السلفي قاضي قضاة الدار البيضاء الشيخ الزبير.

وقد رحل عند الشيخ الألباني ورحل إلى المشرق وجلس إلى الشيخ ابن باز والعثيمين، وجالس الشيخ عبد المحسن العباد والشيخ عبد الكريم الخضير، ورحل إلى الديار المصرية حيث استقبله الشيخ أبو إسحاق الحويني، وناظر شيوخ حزب النور المصري.

ويعُدُّ الكثيرون الشيخَ ممن لا يحابون في دين الله مهما كان قدر المخالف بدون خروج ولا تجهم، بينما يعده آخرون من رؤوس التطرف الإسلامي، واتهم أبو النعيم الدولة بـ “الردة”، على خلفية قرار إغلاق المساجد وتعليق صلوات الجماعة والجمعة مؤقتاً حفاظاً على سلامة المصلين من عدوى فيروس كورونا الجديد.

 وقال الـ”​يوتيوبر” المغربي شفيق العمراني، الشهير بـ”عروبي (بدوي) في أميركا”، “تعرفت على الرجل في سجن عكاشة بجناح المركز متعدد التخصصات، كان بالزنزانة رقم سبعة، وكنت أنا بالزنزانة رقم ستة ثم نقلوني إلى الزنزانة رقم ثمانية ثم إلى الزنزانة رقم واحد بنفس الجناح”.

وأضاف في تدوينة له، “مباشرة بعد علمه بأنني أتواجد في نفس الجناح معه وأنني مضرب عن الطعام بدأ يصيح بأعلى صوته: الصمود الصمود آ السي العروبي، الصمود الصمود آ السي العروبي، وكررها عدة مرات، ومنذ ذاك الحين أصبح يكرر نفس الجملة مرات ومرات رافعا يده اليمنى إلى الأعلى كلما مر إلى فسحته من أمام زنزانتي”.

وزاد شفيق العمراني، في التدوينة ذاتها، أن “الراحل كان يبتسم في وجهي دائما وهو يكرر هذه العبارات التي كانت تفرحني كثيرا وتزيد من إصراري على مواصلة إضرابي عن الطعام، وعلمت حين كنت في الزنزانة رقم ثمانية مع سجناء الحق العام أن الشيخ أبو النعيم سجن بسبب استنكاره إغلاق بيوت الله بذريعة وباء كورونا”.

وقبل تأسيس الشبيبة الإسلامية، كان أول عمل إسلامي قانوني في المغرب سلفي العقيدة، وقد تمثل من لدن علمين إسلاميين: الأول هو علي الريسوني، رئيس جمعية الدعوة في شفشاون، الذي تأثر في ذلك بطريقة عبد الرحيم الوكيل، رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية في مصر، والثاني هو إسماعيل الخطيب من خلال رئيس جمعية البعث في تطوان، والذي تشرب العقائد السلفية من خلال دراسته في المدينة المنورة، وكان يزور الجمعيتين شيوخ السلفية المعروفين، من قبيل الشيخ مفتي زاده، ومحمود الصواف، والألباني، فكانت هاتان الجمعيتان وغيرهما ذات طابع سلفي واضح تناضلان ضد البدع والانحرافات العقائدية الصوفية.

كما نسجل أيضا أنه قبل تأسيس الشبيبة الإسلامية بشكل رسمي سنة 1972، كان أعضاؤها قد تشربوا التربية الدينية والدعوية من هذه الجمعيات، في حين تلقاها آخرون من دروس تقي الدين الهلالي في خطبه يوم الجمعة ودروسه بعد صلاة الفجر في مكناس والدار البيضاء، وكذا دروس بعض المشايخ السلفيين السعوديين والسودانيين، مما ساهم في تزويدهم برصيد مهم من الثقافة الشرعية السلفية.

وبعد عملية تأسيس الشبيبة، كان الشيخ محمد زحل الأثر الكبير في الشبيبة الإسلامية، وكذلك الشيخ الزبير، حيث كان أعضاء الشبيبة يحضرون دروسهم المطبوعة بالسلفية، كما كان الشيخ الوهابي أبو بكر الجزائري يزورهم في رمضان، ومن ثمة استطاع أعضاء الشبيبة تكوين رصيدا أساسيا في فهم الدين وفقه الالتزام به، وكان أساس هذه الدروس مناهضة البدعة والدعوة إلى السنة الصحيحة، كما في دروس محمد الأمين بوخبزة السلفي العقيدة، وأيضا حسن النتيفي في الدار البيضاء، والشيخ الزبير، هؤلاء ترددوا كما تردد إسلاميو طنجة على الفقيه محمد الزمزمي، ثم محمد الجردي في المدينة ذاتها، وكانت محصلة الدروس محاربة التدين التقليدي، وما يرتبط به من شركيات وبدع ومخالفات عقائدية، كالإيمان بالأضرحة وتحصين شباب الشبيبة ضد الفكر الشيعي الذي ازدهر بعد نجاح الثورة الإيرانية.

ويقول الشيخ زحل في شهادته على هذه الفترة: ” عند بداية الشبيبة الإسلامية حرصنا أن تكون النبة طيبة ومتميزة في سلوكها ومعتقدها، حتى إن التقيد بالمذهب لا نعيره أي اهتمام في مناهجنا ودروسنا التربوية، ولا نأبه بأقوال الأئمة إذا تعارضت مع هذه الأدلة، كما أن البناء العقدي الذي اعتمدناه في الجماعة كان يأخذ من كتب العقيدة الصحيحة، ومنها كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، والعقيدة الطحاوية ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، كـالواسطة… وأذكر أنني التقيت مرة د. تقي الدين الهلالي أثناء زيارتي له في مكناس والشبيبة بارزة آنذاك، فسألني عن عقيدتنا، فأخبرته بمصادرنا ومعتمدنا في العقيدة، فقال لي: جزاكم الله خيرا”.

وهكذا فقد نشأت الشبيبة الإسلامية وهي حاملة للفكر السلفي، ومنقطعة الصلة بتراث الإسلام المحلي، وقد تعمقت أكثر لما بدأت أطر الشبيبة الإسلامية تتجه إلى السعودية من أجل الدراسة، وقد بدأت بعد رجوعها في تدريس العقيدة في المقار السرية والخلايا التابعة للحركة. واستمر الحال على هذا النحو حتى هروب القيادة إلى الخارج.

يقول الشيخ زحل: “كان المنهج نبتة طيبة لم يفسده إلا التوجه السياسي لعبد الكريم مطيع…فوقع بعد حادثة اغتيال عمر بنجلون خلط كبير، فآثر التيار الدعوي داخل الشبيبة التوقف إلى حين، واختار العمل الدعوي الحر، من دون أن يحسبوا على التنظيمات التي تكونت بعد انحلال الشبيبة”.

ويعد السلفي عبد الحميد أبو النعيم، والذي اشتهر في تكفيره لمجموعة من السياسيين والمفكرين والناشطين المدنيين والسياسيين، عبر أشرطة فيديو على الانترنيت، واحد من المؤسسين للشبيبة الإسلامية، حيث عرف بنصيب وافر من الثقافة الشرعية التأصيلية لمفهوم البيعة داخل الشبيبة، وعدم شرعية الخروج عن الجماعة، ووجوب طاعة الأمير، فكان يوظف المفاهيم الشرعية فيسرد الآيات والأحاديث في هذه الأبواب الفقهية والمعروفة، ليقنع الإخوة بوجوب البيعة لعبد الكريم مطيع. وبعد هروب مطيع للخارج عقب اغتيال عمر بنجلون أسس “جماعة السنة” بمدينة الدار البيضاء والتي بقي مشرفا عليها إلى غاية 1985 حيث تحول معظم أعضائها إلى فرع “الجماعة الإسلامية” في الدار البيضاء عن طريق سعد الدين العثماني.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي